هذا بحث من ثلاثة أجزاء، سنتناول فيه الطريقة التي عالج فيها الإمام علي عليه السلام؛ بعدما آلت اليه الأمور، دولة حديثة التشكل، لكنها واجهت بعد إرتحال مؤسسها الرسول الأكرم، مشكلات وإنحرافات عن المنهج الذي خطه لها المؤسس صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وسلم.. نضع هذا البحث بيت أيدي المعنيين، علهم يجدون فيه هديا لبوصلتهم التي فقدت الإتجاه..
الجزء الأول:
استلم الإمام علي (عليه السلام) الخلافة بعد مقتل عثمان بسبعة أيام، ذلك في ( 25 ) ذي الحجة عام ( 35 هـ )، فوجد الأوضاع متردّية بشكل عام، وعلى أثر ذلك وضع خطّة إصلاحية شاملة، ركّز فيها على شؤون الإدارة، والاقتصاد، والحكم، وفي السطور القادمة سنتناول شواهد على ذلك البرنامج الإصلاحي بشكل مختصر:
الأول: تطهير جهاز الدولة:
أول عمل قام به الإمام (عليه السلام) فور توليته لمنصب رئاسة الدولة هو عَزل وُلاة عثمان الذين سَخّروا جهاز الحكم لمصالحهم الخاصة، وأُثروا ثراءً فاحشاً مما اختلسوه من بيوت المال، وعزل (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان أيضاً.
ويقول المؤرخون: إنه أشار عليه جماعة من المخلصين بإبقائه في منصبه ريثما تستقر الأوضاع السياسية ثم يعزله فأبى الإمام (عليه السلام)، وأعلن أن ذلك من المداهنة في دينه، وهو مما لا يُقرّه ضميره الحي، الذي لا يسلك أي طريق يبعده عن الحق ولو أبقاه ساعة لكان ذلك تزكية له، وإقرارا بعدالته، وصلاحيته للحكم.
الثاني: تأميم الأموال المختلسة:
أصدر الإمام (عليه السلام) قراره الحاسم بتأميم الأموال المختلسة التي نهبها الحكم المُباد.
فبادرت السلطة التنفيذية بوضع اليد على القطائع التي أقطعها عثمان لذوي قُرباه، والأموال التي استأثر بها عثمان، وقد صودِرت أمواله حتى سيفه ودرعه، وأضافها الإمام (عليه السلام) إلى بيت المال.
وقد فزع بنو أمية كأشد ما يكون الفزع، فهم يرون الإمام (عليه السلام) هو الذي قام بالحركة الانقلابية التي أطاحت بحكومة عثمان، وهم يطالبون الهاشميين برد سيف عثمان ودرعه وسائر ممتلكاته التي صادرتها حكومة الإمام (عليه السلام).
وفزعت القبائل القرشية وأصابها الذهول، فقد أيقنت أن الإمام سيصادر الأموال التي منحها لهم عثمان بغير حق.
فقد كتب عمرو بن العاص رسالة إلى معاوية جاء فيها: ما كنتُ صانعاً فاصنع إذا قشّرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها.
لقد راح الحسد ينهش قلوب القرشيين، والأحقاد تنخر ضمائرهم، فاندفعوا إلى إعلان العصيان والتمرد على حكومة الإمام (عليه السلام).
الثالث: اِلتياع الإمام (عليه السلام):
وامتُحِن الإمام (عليه السلام) امتحاناً عسيراً من الأُسَر القرشية، وعانى منها أشدّ ألوان المِحن والخُطوب في جميع أدوار حياته.
فيقول (عليه السلام): (لقد أخافَتني قُريش صغيراً، وأنصبتني كبيراً، حتى قبض الله رسوله (صلى الله عليه وآله)، فكانت الطامّة الكبرى، والله المُستعان على ما تَصِفون).
ولم يعرهم الإمام (عليه السلام) اهتماماً، وانطلق يؤسس معالم سياسته العادلة، ويحقق للأمة ما تصبوا إليه من العدالة الاجتماعية.
وقد أجمع رأيه (عليه السلام) على أن يقابل قريش بالمِثل، ويسدد لهم الضربات القاصمة إن خلعوا الطاعة، وأظهروا البغي.
فيقول (عليه السلام): (مَالي وَلِقُريش، لقد قتلتُهم كافرين، ولأقتلنَّهم مَفتونين، والله لأبقرنَّ الباطل حتى يظهر الحق من خَاصِرَتِه، فَقُلْ لقريش فَلتضجّ ضَجيجَها).
https://telegram.me/buratha