طيب العراقي
لا تكفي قراءة خواتيم الأعمال؛ للوصول الى الحقائق، فغالبا ما تكمن الحقيقة في البدايات؛ أو ما يطلق عليه أدبيا أسم المقدمات.
المقدمات الصالحة؛ تنتج عنها نتائج صالحة والعكس صحيح، وفي قصة بناء التحالفات السياسية؛ التي سبقت الإنتخابات الأخيرة، ثمة مقدمات تحتاج الى قراءة مهنية، لكي نفهم ما حدث وما سيحدث لاحقا أو ما يجب أن يحدث.
كان من الواضح أن مستوى الإنسجام العقائدي؛ بين أطراف تحالف الإصلاح على أقل مقاديره، ولم يكن ذلك وحده هو المفقود، بل أن الوسائل والأدوات والتوجهات هي الأخرى؛ كانت متباينة الى حد كبير جدا، وإذا كان هناك حد أدنى من التوافقات بين قيادات تحالف الإصلاح، فإن القواعد الجماهيرية لمكونات التحالف، مختلفة إختلافا جذريا نوعا ومطالبا وعقائدا وتوجهات، وتتسع فجوة الإختلافات كلما نزلنا الى قاع القواعد.
أثبتت وقائع الأحداث والأيام، أن إئتلاف النصر الذي تزعمه العبادي؛ هو بلا قاعدة جماهيرية حقيقية، بل هو إئتلاف تشكل لدعم طموحات العبادي، الذي نزع جلده العقائدي؛ مستثمرا وجوده على رأس هرم السلطة؛ كي ينال ولاية أخرى لرئاسة الوزراء؛ بدعم أمريكي لا محدود ليكون رأس الحربة؛ في الحرب الامريكية ضد الجمهورية الاسلامية في إيران.
بالمقابل فإن إئتلاف سائرون؛ المتشكل من التيار الصدري والشيوعيين، والذي يعتبر العمود الثاني في تحالف الإصلاح، لكنه وإن بدا متناشزا عقائديا، إلا أن الشعبوية تشكل رابطا قويا بين مكوناته، فضلا عن عقائدية الصدريين وإرتباطهم بالسيد مقتدى الصدر، ناهيك عن أنه لم يكن منخرطا بالمشروع الأمريكي، مثلما هو حال العبادي والجماعات الإنتهازية المرتبطة به، والذين تورطوا بشكل مفضوح وعميق بوحله.
فيما يتعلق بتيار الحكمة؛ فالقصة مختلفة تماما، حيث كاريزما السيد عمار الحكيم وأرثه العائلي، ونوعية المرتبطين بتياره، التي ليست من سنخية شعبوية إئتلاف سائرون.
الذي حدث قبيل الإنتخابات؛ هو أنه جرت عملية إيهام ممنهج للجمهور، هدفها جعله مؤمنا بعدم اهمية البعد العقائدي في العمل السياسي، وكان ذلك خطأً إستراتيجيا كبيرا، وقعت فيه الأطراف التي شكلت تحالف الإصلاح، وهذا الخطأ هو ما تسبب لاحقا؛ بفشل هذا التحالف وبالتالي تشضيه، فيما كان تحالف الفتح منسجما عقائديا الى حد كبير، مع خطوة محسوبة الى حد ما؛ بالتحالف مع أطراف سنية؛ لتشكيل كتلة البناء العابرة للطائفية.
لقد تصرف إئتلافي الفتح وسائرون بموضوعية وحنكة؛ عندما مدا جسور التفاهم بعضهما بعض، لدعم إختيار السيد عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء، وكانت تلك نقطة البداية لهدم تحالف الإصلاح، وكانت نقطة البداية لتحالف عملي بين الفتح وسائرون، وهو ما كان يجب أن يحصل، حتى قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة!
عندها أكتشف السيد الحكيم، أنه كان من الاخطاء الإستراتيجية، الصعود في مركب اقطابه سائرون والنصر، إذ كان عدم الانسجام واضحا؛ حتى لمن يمتلك خبرة سياسية بيسيطة، ولما كان من العسير؛ بل من المستحيل على الحكيم، أن يصعد في مركب يقوده الفتح وسائرون، لإعتبارت عديدة في مقدمتها الإعتبارات الشخصية، قرر الذهاب الى نوع جديد من المعارضة، يحتفظ بها رجاله بمناصبهم في الحكومة، لكنه يعارضها؛ لأن عينه على الإنتخابات القادمة!
الصدر لم يأخذ رأي حليفه الحكيم، عند إتفاقه مع غريمه العامري؛ حول دعم عبد المهدي لتشكيل الحكومة، لذلك فمن المؤكد أن الحكيم لم يشاور الصدر، عندما قرر تفتيت تحالف الإصلاح بالذهاب الى المعارضة؛ لكنه كان بالتأكيد متفقا على هذه الخطوة؛ مع حليفه الآخر زعيم إئتلاف النصر حيدر العبادي، أما سُنّة الإصلاح فقد كانوا كمالة عدد، لا يغني التشاور معهم شيئا، وإن حصل فقد كان لإبراء الذمة وللعلم فقط.
الحقيقة التي يجب أن يقر بها أطراف الإصلاح؛ هي أن تشظي تحالفهم؛ جاء نتيجة لفقدان البعد العقائدي أولا، ولعدم الإنسجام ثانيا، لكن قبل ذلك ثمة سبب أكبر، هو أن الفشل كان نتيجة حتمية وطبيعية؛ لفشل المشروع الامريكي في المنطقة، وهذا ربما ما توصل اليه الحكيم، فأراد النأي بنفسه عن هذا المشروع القذر.
مستقبل العراق الحقيقي؛ يكمن في اقامة شراكة إستراتيجية مع المحور المقاوم، وليس مع محور الخنوع والابتزاز والتطبيع.
https://telegram.me/buratha