جاسم الصافي
عملية تريف المدن هي سياسة تخريبية قديمة , لعل الغايات فيها تختلف حسب المكان والزمان , فقد ترسل قوة خارجية مجموعة من البربر الى مدينة حضارية محصنة فيخرب داخلها لتضعف تدريجيا كل مفاصلها الدفاعية كما حدث قديما في اغلب حضارات وادي الرافدين او ان ترفع الهالة المقدسة والحضارية عن مدينة الرسول محمد ( ص ) بتهجير العلماء والصحابة منها وارسال الشواذ جنسية والغلمان بدلا عنهم لتدنيس المدينة , وبذلك يتحكم المنافقين والشواذ في نشر الفساد والافساد .
في المقابل شراء الفقهاء والشعراء وارسالهم الى مدن الشام من قبل بنو امية ورفع حجم العطاء لهم , لتكون دمشق العاصمة البديلة عن عاصمة المسلمين المدينة , وهذا ما حدث ايضا في بغداد في بداية تأسيسها حيث انتشر العيارين وقطاع الطرق في مدينة الحضارية الجديدة , مما حدى بالخليفة الى تكوين مدينة موازية لبغداد فشطرت الى كرخ ورصافة حيث واصدرت احكام بحق كل من يتجاوز على النظام او القوانين المعمول بها داخل بغداد لتبقى في تألقها حتى اؤخر عهدها , حيث انتشر المجون وتسلط الغلمان واخذ ينخر الفساد في داخلها وتنتشر ديدان الضعف في اغلب مفاصلها واخيرا كانت فريسة سهلة للمغول.
واليوم بعد التغير اصبحت بغداد وكل المدن العراقية مع كل الاسف تدعى بلد ( الحواسم ) حيث تنتشر بيوت الصفيح اينما تولي وجهك وعلى الجانب الاخر بيوت دبل فاليوم وفلل كلها للمتجاوزين بل تنتشر على الشوارع الرئيسية المهمة وان لزم تقطع هذه الشوارع من اجل نشر فوضى البناء العشوائي , حتى صار استسهال من قبل الكثيرين ( لحوسمة ) الدوائر والارضي الحكومية والخدمية والزراعية بل وحتى المدارس ) وشرعت القوانين العجيبة العرفية والحكومية مع الاسف التي تحمي المتجاوز وتسانده ولألعن من كل هذا ان السلطة تتعهد لهم في تمليكها لها .
وهذا ما شجع الكثيرين حتى ممن لم تكن في نيتهم التجاوز لتجد من بينهم من استأجر داره و( حوسم ) مثل البقية على امل ان يملك مدرسة او مستوصف قبل ان يفوته كرم السلطة الشيطانية , ثم صار تجريد الارضي على قدم وساق بل وينفذ من قبل متنفذين في الدولة وهم يستحوذون على اغلب اكتاف الانهار في معظم المدن العراقية.
والمصيبة فوق كل هذا ان الاعلام اصبح مرتهن لتلك القوة السياسية التي تدافع عن هذا التخريب المنتفع منه , وبالتالي جندت تلك الوسائل الاعلامية صوتها من اجل قضية انسانية زور , نعلم جميعا ان حلها سهل بتوزيع الاراضي على جميع المواطنين بعيدا عن المدن , ولان الغاية تخريبية نجدها تتمادى في المطالبات لدرجة المستحيل وهو ان تعطي الدولة للمتجاوز الاموال لبناء القطع في حين ان موظفين يخدمون الدولة منذ عشرات السنين بل وشهداء ضحوا بأنفسهم لم يتحقق لهم مثل هذا الحلم .
, انا لست ضد تحقق هذا الحلم , لكن واجب ان يكون وفق ضوابط وجدولة زمنية ليكون معقول والا بقيت تلك المطالب بلا تحقيق كما نرى , اذ هي مجرد متاجرة بمشاعر وعوز الفقراء والبسطاء تتصاعد مع كل دورة انتخابية , فتزاد يوما بعد يوم معدلات البطالة وتفشي الجريمة وتشويه المدن وتخريب الارضي الزراعية وتدمير المدارس بالنظام الثلاثي بسبب الزخم والتلاعب الديموغرافي بلا فهم فهو تخريب للثروة الزراعة بمختلف اشكالها بعد ان هجرها اغلب ابنائها .
مع العلم ان اهم مستفيد في عملية تمليك الارضي الزراعية وغيرها هم القوة السياسية التي استولت على اغلب واهم تلك الارضي بدليل انهم بنوا لهم القصور العملاقة دون خوف او تردد فهم متأكدين من تملكها مستقبلا , لعل ما تقدم يظهر حجم الفساد والتخريب للمدن التي اصبحت تعاني من عبث العابثين حتى ان رجل القانون اصبح مستهدف من العشائر وهذا ما جعله ينفذ واجبات بشكل محدودة , لدرجة ان اي عملية اطلاق نار قريبة من اي سيطرة نجد ان الامر لا يعنيها حتى وان كان ذلك وسط المدينة .
ان ما وصلنا اليه اليوم من خلل في تطبيق النظام وتشجيع الفساد هو بسبب التلاعب بالمعاير الاخلاقية واحلال قوانين الغاب بدلا عنها , وتهجين العرف مع القانون بمقاييس ومعاير ازدواجية , فلا يمكن ان يكون القانون ريفي مدني في وقت واحد , ولا يمكن الجمع مع من تعود على حرية التمرد والتسلط مع من تعلم احترام النظام والقانون لان الامر يحتاج لوقت طويل , كل هذا اوصل الحال بنا لنجد ( العراضه ) داخل المستشفيات و( الكوامه ) وسط المدارس واطلاق النار في المراكز الامنية و( النهوى ) ينتشر في المدن ومؤكد ان القادم سيكون اخطر
https://telegram.me/buratha