طيب العراقي
وحدهم هم أولئك الذين يتسمون بقصر النظر، وإنعدام القدرة على ربط الأحداث بعضها ببعض، الذين يتخيلون أن ما يجري هنا في العراق، بعيد عما يجري في الساحتين الدولية والأقليمية، ولذلك فإن الحاجة قائمة دوما؛ لأن نمد بصرنا نحو محيطنا الإقليمي على الأقل، لكي نقارب واقعنا السياسي المحلي بطريقة منهجية عملية.
منذ أمد ليس بالقصير؛ والإستكبار العالمي يطبخ صفقة القرن على نار هادئة، وطبعا طبخة حراشف السلاحف، تحتاج الى ديمومة النيران تحت قدورها، لذلك فإن محيطنا الإقليمي يشهد منذ قرابة عقد من الزمان، أحداثا تعادل ما حدث فيها على مر قرن كامل، ولم يسلم بلد من بلدانها قط من تلك النيران.
خلال هذا العقد؛ بنت الولايات المتحدة الأمريكية، وهي قائدة الإستكبار العالمي لنفسها، منظومة متكاملة من "الأتباع" العلنيين، الذين يؤمنون بما تؤمن به وزيادة، كما عمدت الى بناء منظومة موازية من "المطيعين"، الذين تدفعهم مصالحهم للقبول بإطروحتها مرغمين أولا، ثم حولتهم ترغيبا وترهيبا، الى أدوات منفذة لاحقا، من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
على الرغم من كل ما يقال ويكتب؛ عن سوء أداء الحكومات المتعاقبة على حكم العراق، بعد زوال نظام القيح الصدامي، إلا أن عراقا قويا معافى بدأت ملامحه بالتشكل، بعد الإنتصار الكبير الذي حققه عقيب فتوى الجهاد الكفائي، وتشكل الحشد الشعبي، وإنبعاث الغيرة العراقية المعروفة في قواته المسلحة؛ على أحد أهم أدوات الهيمنة الأمريكية، والمتمثلة بصنيعته العلنية تنظيم داعش الإرهابي.
مثلما توصلنا في مقاربات سابقة، الى أن تشكل دولة عراقية قوية، لا يخدم المشروع الأمريكي قطعا، لأن الدولة العراقية المتشكلة بعد ذلك الإنتصار الكبير، ستكون محطة كبرى على طريق دولة العدل الإلهي، التي لن تقوم فيها قائمة للإستكبار العالمي، وصنيعته الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين المحتلة.
لذلك فإن عراقا ضعيفا؛ هو المطلب الملح للإستكبار في هذه المرحلة المفصلية من حياة الكيان الصهيوني، إذ لا يمكن أن تمرر صفقة القرن؛ بوجود عراق قوي يقف طودا أشما، في معركة إفشالها .
يمثل مؤتمر المنامة الذي ينعقد فيها هذه الأيام، أحد أهم محطات صفقة القرن، لأنه سيكون إنطلاقتها الرسمية الأولى، بعد أن كانت الأمور تجري تحت الطاولة، وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية ليست قوية بما فيه الكفاية، إلاأنها رفضت بوضوح المشاركة في هذا المؤتمر، وبالتالي أفقدته أحد أهم مرتكزاته المتوقعة، ويقف معها في هذا الموقف المشرف الشعب العراقي بقواه الوطنية، وفي طليعتهم المنتصرين على الإرهاب الداعشي.
منظومة "المطيعين" تم تحريكها؛ لخلط أوراق المشهد السياسي في العراق، للضغط على الحكومة العراقية ومعاقبتها على موقفها هذا، وفي ذاكرتنا أن المنظومة إياها دعت صراحة الى "النأي بالنفس"، عن أي مواجهة متوقعة بين الأمريكان والجمهورية الإسلامية، متخلية بذلك عن الوقوف موقفا مسؤولا مشرفا الى جانب الحق، وسعت حثيثا وبمختلف الطرق، لأن تبقى الحكومة العراقية ضعيفة، وكان من بين وسائلها محاولة إلهاب الشارع العراقي، ومن ثَمَ إستخدامه لإرباك الحكومة وإضعافها؛ وصولا الى لحظة إسقاطها، وهكذا كان بيان كتلة الإصلاح والإعمار بفقراته الإربعة عشر، والتي ألغمها بعموميات معروفة سلفا، ليست حكومة السيد عادل عبد المهدي مسؤولة عن أغلبها، لأنه وببساطة شديدة، لم يمض على حكومة السيد عبد المهدي إلا سبعة أشهر فقط، لكن وبسرعة أتضح أن البيان أعد بمعزل عن تحالف سائرون الشريك الأهم والأقوى في تحالف الإصلاح، لكن الأوامر جاءت هكذا؛ ولابد من "الطاعة" والتنفيذ، ولذلك فأن من أصدر البيان، إستعجل التنفيذ لإبداء فروض الطاعة!
الحقيقة وبلا مجاملة ومواربة، هي أن تحالف سائرون إنتبه باكرا الى هذه اللعبة، وتصرف بروح الحكمة والمسؤولية، على الرغم من أن له موقفا "خاصا" من العلاقة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وهو موقف لا يرتبط بالمقدمات؛ بقدر ما يرتبط بالفروع، ولذلك تعاون تحالف سائرون مع تحالف الفتح، في تشكيل حكومة السيد عادل عبد المهدي ودعمها، وسيبقى داعما له، مع إحتفاظه بمسافة معقولة، لتنفيذ إطروحته في تبني قضايا وهموم الجماهير، وهو مايخدم حكومة السيد عبد المهدي ويقويها، لأنه سيدلها على حاجات المواطنين، كما سيكشف لها بمسؤولية عن عيويها.
العارفون بخفايا المشهد السياسي العراقي، وتركيبته المعقدة، يعرفون أن من المستحيل إسقاط حكومة عبد المهدي بسهولة، وأن كل ما سيحدث هو محاولة "المعارضة" الهجينة، ركوب موجة الإحتجاجات، لكن المحتجين أكتشفوا اللعبة، ليحتفظوا بمطلبيتهم بعيدا عن التسييس.
ثمة معطى بالغ الدلالة؛ يكشف عن إنتهازية أدعياء المعارضة، فهم بالوقت الذي يدبجون فيه بيانهم العتيد، كانوا يشاركون بنشاط لافت، في إجتماعات تسمية اصحاب المناصب العليا والدرجات الخاصة، في مبنى الأمانة العامة لمجلس الوزراء..!
ــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha