طيب العراقي
في الأنظمة البرلمانية الرصينة، تعتبر المعارضة البرلمانية أحد الأركان الأساسية لها، لكونها تقوم بدور المراقب للأداء الحكومي، ولا تتأتى لها هذه المراقبة، إلا إذا اعترف لها الدستور بحزمة من الحقوق، في المجال الرقابي والتشريعي..
المعارضة من سمات النظم الديمقراطية، وتنطوي الديمقراطية على قيم أساسية، كالمساواة والحرية والمشاركة والتعددية، والمعارضة ترتبط ارتباطاً وثيقا؛ً بقيمة تعددية الآراء والأفكار، وتعددية الأحزاب والبرامج، وتعددية الحلول المطروحة للمشكلات.
يترتب على ذلك؛ أن المعارضة؛ تؤدي وظيفة أساسية في النظم الديمقراطية، باعتبارها من مكونات النظام الديمقراطي، والذي ينقسم بالضرورة إلى حكومة ومعارضة.
بدون معارضة حقيقية، سيكون هناك الف سؤال وسؤال، عن شرعية ومشروعية القرار السياسي في البلاد، وعن قدرة البرلمان؛ على أداء دوره التشريعي والرقابي بكفاءة..
وجود كتلة برلمانية معارضة سيساعد بلا شك؛ على بناء جسور الثقة بين البرلمان والشارع السياسي، ويعزز من قوة تأثير الشارع على القرار السياسي، ويجعل الساسة في السلطة يحسبون ألف حساب، لتأثيرات تلك القوة.
ديناميكية العملية السياسية، تتطلب تقوية دور المعارضة البرلمانية، وأن يكون هذا لدور منظم وكفول دستورا، وترتبط به حزمة حقوق تشريعية، كحقها في إستجواب الحكومة ومساءلتها، ومراعاة حقوقها البرلمانية في مجال المراقبة والتشريع..
في هذا الصدد، يبدو السؤال منطقيا،عن مدى إستجابة دستورنا الحالي، لهذه المتطلبات الضرورية، أم أن فيه ما يقف حائلا،دون ظهور معارضة برلمانية حقيقة؟
إذا كان الدستور قد ضمن كما يقول مشرعيه، قدرا كبيرا من الوسائل لظهور معارضة؟ فهل عمل على تقوية هذه الوسائل الرقابية للمعارضة، أم أضعفها؟ وهل عزز الدور التشريعي للمعارضة، أم حد منه؟ وهل مكانة المعارضة البرلمانية في الدستور العراقي، ترقى الى مكانتها في دساتير الأنظمة الديمقراطية الأخرى! وهل المهندس الذي بنى معمارية دستورنا، كان يرمي حقا لخلق معارضة حقيقية، يسمو بمكانتها في البرلمان، أم أنه اعتبرها كفسيفساء، لتزيين واجهة الهندسة الدستورية للدستور؟
إن ضرورة وجود معارضة حقيقية، يجب أن تأخذ مداها في وجدان القرار السياسي العراقي.
أن المعارضة ليست شرا لا بد منه، وهي ضرورة محسومة لبناء دولة مؤسسات حقيقية، والمعارضة البرلمانية هي الوجه الأكثر أشراقا حضاريا، والأكثر إنتاجية عمليا، ويجب أن تتشكل، وفقا لأطر مصانة تشريعيا، حتى تكون فاعلة منتجة، لسانها طويل ويدها أيضا طويلة!
كل هذا يجب أن يتم، مع عدم أغفال حق المعارضة خارج البرلمان أيضا، والتي يتعين هي الأخرى أحترامها، سيما أذا مارست معارضتها بأساليب لا تهدد أمن المجتمع، ولا تسعى الى هدم السلم الأجتماعي..
ثمة واقع يفيد: أن ما موجود عندنا، مجرد توازن دائم، حكمته طبيعة مجتمعنا، ويتعين علينا قبوله أبدا، لأنه قدرنا المحتوم؟!
اولى خطوات إنشاء منظومة معارضة، ليس بإنشاء حزب إيدولوجي معارض، وإن كان ذلك مندوبا بحد ذاته، لكن في وضعنا الراهن؛ يتطلب إنشاء كتلة نيابية معارضة، ليس لها ممثلين في الحكومة وبمختلف مستويات التأثير بالأداء الحكومي، وإلا فإن وضعها لقدمها في المعارضة، مع بقاء قدمها الأخرى في الحكومة، يعني أنها تبقيها بقصد تخريب الأداء الحكومي، لا بقصد خدمة الشعب..!
الإنتقال الرشيق من ضفة النهر الى الأخرى، بلا مسوغات موضوعية أو مقدمات حقيقية يعد تهربا، وعلينا جميعا الإستماع الى ما قالته المرجعية الدينية في يوم الجمعة 21/6/2019، فقد تحدث الشيخ الكربلائي بوضوح عن أن " الواجب الوطني يتطلب ضرورة إشاعة روح التشاور والتآزر، وأن يتحمل الجميع المسؤولية بعيداً عن التهرب"..
على الذين يدعون أنهم أتباع المرجعية الدينية، وأن طاعتها دين لهم، أن يصيخوا السمع لما تقول، لا أن يعطوها أذنا من طين وأخرى من عجين!
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha