لم تعد معرفة ما يجري على الساحات المحلية والعربية والأقليمية، مقتصرة على العارفين ببواطن الأمور، أو منحصرة باصحاب القرار والنخب السياسية فقط، بل ولأن اللعب أصبح على المكشوف؛ فقد أصبحت المعلومات؛ في متناول حتى من لا يحتاجونها أو غير المعنيين بها، وكلما نتقدم بالوقت الى أمام؛ تتكشف مخططات تشيب لها رؤوس الولدان.
في قصة صفقة القرن؛ التي تعمل الإدارة الأمريكية الترامبية على تمريرها، بمشاركة فاعلة من أطراف دولية وأقليمية، في مقدمتها المملكة السعودية وذيلها العربي والخليجي، فإن الهدف المعلن لهذه الصفقة، ليس فقط تصفية القضية الفلسطينية وطي صفحاتها، ودفنها الى الأبد في سجلات التاريخ، بل المطلوب أمريكيا، هو إنتقال الكيان الصهيوني الغاصب؛ الى دور الدولة القائدة في المنطقة.
هذا المخطط الرهيب يتم العمل على تنفيذه بمسارين، الأول هو المسار الإقتصادي، وينفذ بأموال عربية سعودية خليجية بنسبة تزيد عن 75%، على أن يكون الريع لإمريكا والكيان الصهيوني؛ وللفلسطينيين فتات لشراء الذمم.
المسار الثاني؛ هو خلق بيئات مرحبة ومؤمنة؛ بحتمية قيادة إسرائيل للمنطقة، عبر سلسلة معقدة ولكنها متسارعة؛ من الإجراءات وصناعة أحداث تؤدي الى تحقيق الهدف.
في هذا المسار؛ فإن إعادة رسم خارطة المنطقة بدأ منذ عام 2010، عندما صنعوا ما سمي بالربيع العربي؛ في سوريا وليبيا وتونس وغيرها، وفي ذاكرتنا ساحات العار(الإعتصام) في العراق، وفي الأخير ظهر تنظيم داعش الإرهابي كأحد أوجه هذا المشروع.
الهدف من مشروع إعادة رسم خارطة المنطقة، هو تفتيت الرافضين للوجود الصهيوني، وتحويلهم الى جزر معزولة، ومن ثم الإجهاز عليهم نهائيا، ليصفى الجو لطيرة تبيض فيه وتصفر.!
المنازلة الحاصلة الآن مع جمهورية إيران الإسلامية في هذا السياق، والأهداف معلنة بلا لبس أو تدليس، وتستخدم فيها كل الأدوات، وهي مفتوحة على كل الإحتمالات.
العراق يقع في قلب الحدث، ومطلب تفتيت العراق موضوع قيد التنفيذ، وغاب عن حصافة كثيرين، أن العملية السياسية القائمة، والتي كان المحتل الأمريكي؛ شريكا في رسم خطوطها العريضة، بنيت على أساس أن تتضمن ألغاما؛ قابلة للتفجير في أية لحظة، فضلا عن إحتوائها على ثغرات؛ تسمح بتمرير التفاصيل التي يكمن الشيطان فيها دائما!
بعد إنتصار العراقيين الكبير على المخطط الأمريكي المتمثل بداعش، إنتقلت المعركة الى مديات جديدة، هدفها المرحلي هو القضاء على الذين صنعوا الإنتصار، لأن الأمريكان أكتشفوا أن هؤلاء، هم العظم الذي يقف في عرض بلعومهم، وأن المطلوب عاجلا؛ هو تحويل الإنتصار العراقي الى هزيمة داخلية، عبر إشاعة روح اليأس والقنوط؛ من إحداث تغيير إيجابي شامل في العراق، يخدم شعبه ويحقق آماله، ويصنع بالتالي عراقا قويا معافى، يحتل مكانته المستحقة في المنطقة والعالم.
عراق قوي يعني خصم قوي لإسرائل، هذا ما خلص اليه أساطين الشر الإستكباري، لذلك فإن إضعاف العراق ومن ثمَ تفتيته؛ هو الهدف المستعجل الآن، والعمل يجري على قدم وساق؛ لإبقاء العراق ضعيفا عبر سلسة من العمليات، في مقدمتها عملية إضعاف الشيعة في العراق، وإنهاء وجود الأداة القوية الفعالة التي حطمت داعش، أي الحشد الشعبي.
العمل ضد الحشد الشعبي بدأ مع اللحظات الأولى لتشكيله، لإنهم كانوا يعرفون أنه سيكون قوة لا تقهر، وأنه تشكل في سياق التمهيد لدولة العدل الإلهي، التي يتقاطع إنشائها بشكل مبرم، مع المشروع الصهيوني العالمي.
تفتيت الشيعة كحاضن عقائدي لمشروع دولة العدل الإلهي؛ هو المطلوب اليوم إستكباريا، ويقع ذلك في إول أولويات التفكير الأمريكي الصهيوني، وها هم يعملون عليه بقوة وفاعلية، وصناعة المرجعيات المزيفة والجماعات المنحرفة، وأخيرا المعارضة الشيعية الشيعية، كلها صفحات من هذا التفكير.
تفتيت العراق يمر عبر تفتيت الشيعة، وإضعاف الشيعة يعني إضعاف لباقي المكونات، وإنهاء العراق كدولة رسمية بشكلها الجغرافي القائم.
إذا توفرت القيادات السياسية العراقية، شيعتها وسنتها وكوردها وباقي المكونات، على معرفة أبعاد موقعية العراق في صفقة القرن، عليها أن تتحمل مسؤولية إبقاء العراق واحدا موحدا سيدا، وعليها أن لا تتحول الى أدوات، في مشروع صفقة القرن من حيث تدري أو لا تدري.
وحدة الصف العراقي والصف الشيعي، أمر مطلوب وحتمي وضروري، في هذه المرحلة الدقيقة من وجود العراق، إذ لا عراق موحد بدون شيعة موحدين، القادم صعب وستأتينا رياح سوداء، وشر مستطير لا نستطيع مواجهته دون أن نقف كتفا الى كتف.
https://telegram.me/buratha