المقالات

كم هو عمر الحشد الشعبي؟!


طيب العراقي

 

لا يمكن تقرير وحماية مصائر الأمم؛ بالعواطف والأنفعالات، بل يتم ذلك بالتخطيط المسبق المتقن؛ والإدارة العليا المالكة للإرادة المبرمة المتعقلة، ولمسؤولية القرار، وبوجود الأذرع القادرة على تنفيذ كل ذلك.

التخطيط في مجال مصائر الأمم؛ لا يعد تخطيطا، إذا كان للأحداث الأنية أو للمديات المتوسطة، بل يتعين أن يمتد من ماض؛ له مساحة مؤثرة في التأريخ وحركته، ويصاحبه فهم وإستقراء؛ وتعامل إيجابي فاعل مع معطيات الحاضر؛ بأناة وواقعية متعقلة، ممزوجة بقدرة فائقة؛ على إتخاذ القرار المناسب في الزمن المناسب للمكان المناسب.

لا يتأتى ذلك إلا بمعرفة سلطة القرار؛ ما تمتلك من نقاط قوة، وأن تتقصي ما يعتري منظومتها المجتمعية من ضعف ووهن، ثم بعد ذلك تنتقل الى تحديد الوسائل والأدوات، لتنفيذ بواسطتها؛ ما تم الإستعداد والتهيؤء له عبر تخطيط مسبق محكم.

التنفيذ يقوم على مفهوم الإرادة، التي تعني أختيارا دقيقا للهدف، خصوصا إذا ما تعلق ذلك بمصير الأمة، وأن يتم بسقوف واقعية، وفق الإمكانات المتاحة أو المتوفرة، مع حساب عامل الزمن للإنطلاق نحوالتنفيذ والمواجهة.

تحتاج هذه الحسابات الدقيقة، لقيادة تمتلك رؤية واضحة صحيحة متكاملة؛ لما حدث وسيحدث وما تريد، وتحت يدها أدوات مستعدة فاعلة قوية، من رجال عقائديين إكفاء؛ على بصيرة من أمرهم، مندكين بقيادتهم.

في معركتنا مع الدواعش الأشرار، كانت المرجعية الدينية كقيادة شرعية للأمة، بإمتدادها التاريخي العميق وفعلها، تستند الى منظومة بناء شامخ باذخ العمران، متمثلا بإيمان المؤمنين؛ بأن مصير الإنسانية منوط بالخالق، وأن رسالة الإسلام؛ تعني التسليم التام والعبودية له جل في علاه، وأن هذا التسليم والعبودية فعل إيجابي، مثخن بالإستعداد والعطاء، وليس إستكانة المهزوم المتخاذل.

لذلك فإنه ولزمن شغل معظم تاريخ الأمة، كان المؤمنون وتحت قيادة وتوجيه المرجعية الدينية، يبنون أنفسهم بناءا مرصوصا محكما، وكانوا يواصلون إستعداداتهم وبلا هوادة أو كلل، ضمن مسار الإعلان المرتقب لدولة العدل الإلهي.

مع التسليم بحتمية تحقق دولة العدل الإلهي، وأن هذه الحتمية لا تعني الركون الى الإنتظار السلبي، لذلك فإن المرجعية الدينية؛ حينما أستشعرت أن مشروع دولة العدل الإلهي، معرض لأخطار جسيمة يمكن أن تؤخر تنفيذه، أطلقت فتوى الجهاد الكفائي، لمقاومة تلك المخاطر، المتمثلة بظهور شيطان داعش، هذا الشيطان الذي صنعه إعداء الأمة ومستقبلها، وكانت المرجعية الدينية مطمئنة تمام الإطمئنان، أن فتواها ستجد من يتدافعون السكك لتنفيذها، وأنهم سيذهبون بها الى حيث النصر المؤزر.

لم تكن فتوى الجهاد الكفائي "ردة" فعل آنية، بل هي "قرار" إستراتيجي كبير، تحقق نتيجة تراكم كبير للخبرة، وكان كل ما سبق من أحداث وحوادث؛ في العراق والمنطقة قبل صدور الفتوى، محط إدراك عميق ومراقبة دقيقة من قبل المرجعية، التي كانت تعي حجم المؤمرات الخارجية التي تحاك بقصد إنهاك العراق وتقسيمه، بسبب كونه الحيز جغرافي الأول لدولة العدل الإلهي المرتقبة، فجاءت الفتوى بمقام ضربة وقائية، ثمرتها الإعلان عن تشكل جيش قوي برجاله وعقيدته هو الحشد الشعبي.

الحشد الشعبي أذاً ليس وليد حاجة آنية، بل هو وليد عمل طويل مثابر، ونتاج إعداد عقائدي أستمر لأكثر من 1400 سنة، فهو موجود في ضمير الأمة، كما الحسين "ع" موجود في ضميرها، ولقد كان مخبوءا في دماء الشهداء؛ الذين قضوا نحوبهم في بدر وأحد والخندق وحنين، وهو كان حاضرا مع الحسين"ع" في طف كربلاء، وكان أيضا يقاتل بحماسة منقطعة النظير في ثورة العشرين في العراق عام 1920، وكان هو الذي قارع نظام البغي الصدامي، إلى أن صيره أعجاز نخل خاوية في 2003، فسقط سقطته التي جعلت أعداء الأمة ينتجون داعش؛ حينها كانت الفتوى وكان الحشد الشعبي..

الحشد لن يكتفي بالقتال دفاعا عن الأمة، بل سينهض بمهمة بناء دولتها بكل تفاصيلها، ورجال الحشد الذين حملوا الراية في 13/6/2019، لن يسلموها إلا الى صاحبها؛ في زمن نراه قريبا ويرونه بعيدا..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك