فاطمة حسين إبراهيم
حينها كان عمري احد عشر عاما..ارسلتني امي بحاجة الى بيت خالتي ، فلما وصلت هناك صادفتني واحدة من اولئك النسوه اللواتي بعن الشرف في احضان البعث المجرم .
كنت اعرفها حيث كانت قد حذرتنا منها امي وخالتي وكانتا تقولان بأنها تكتب التقارير على اهل المنطقة وترسلها الى الفرقه الامنية وكانت تعلم ان اخي الاكبر للتو قد افرج عنه بعد سته اشهر من التعذيب والاعتقال فأستوقفتني قائلة (ها ابوج وامج درو مات الخميني )
تسمرت في مكاني حينها لم اعِ سبب صمتي هل هو خوف منها ام من هول ما قالت ؟
ذهبت دون ان تنتظر مني جوابا .
لم ادخل الى بيت خالتي انما عدت ادراجي قافلةً الى البيت عَدَوت سريعاً وكنت ارددها في نفسي انها تكذب وكيف يموت ذلك البطل الاسطوري الذي لطالما سمعت عنه من امي وابي وهما يتحدثان بهمسٍ عن ثورته (ثورة السبحة والقرآن) وعن شجاعته ونبله وتقواه وزهده .
كنت ابكي في حالٍ لم اكُ اريد البكاء حتى لايصدق قلبي ماسمعته اذناي هل حقا ماقالت ؟
نعم كنت احبه .. ويعلم الله كم كنت احبه .. احببته حيث لم اره ، احببته كما احببت علياً دون ان اراه .
ذبت في ثورته عشقاً الى درجة انني كنت قد رسمت لها لوحةً ملونةً بألوان ليست كالالوان كنت طفلة لاتعي وجوب الصلاة والصيام تعلمت الصلاة لانه كان يصلي نويت الصيام لانه كان يصوم ، كان يدفعني الى الفعل الحسن وهو بعيد بعيد بعيد كان يكلمني رغم بعد المسافات ، كان يخاطب وجداني،يخاطب قلبي، يخاطب طفلة تحبه وتحب مئآثره ، وتحب نور وجهه الذي تتمنى رؤيته .
كنت اتمنى ان يكون كلامها مجرد مزحةٍ تافهةٍ من لسانٍ فاجر .
وعند وصولي للبيت رأيت ويا هول ما رأيت كان ابي وامي يبكيان ويلطمان بصمت وانفاسهما تزفر حتى الموت.
الى هذه اللحظه كنت اغالط افكاري واحارب خلجات نفسي المشردةِ فأخبرتهما بما قالته لي ام ... عن خبر موت الامام ، حينها علا منهما النحيب اقفلوا ابواب البيت كي لايسمع احد صوت حسيسهما .
ان الخبر صحيح ..
تسمرت في مكاني جرت دموعي بدون اختيار او استأذان ، مات !!!!!؟
هل حقا مات ؟ اغمض عيناه !!!؟ اي اني لن اتمكن يوما من رؤيته ؟
فارقتني تلك الروح الطيبة التي لطالما مسحت على رأسي واختفت تلك اليد البيضاء التي كانت تدلني الطريق وتمنعني عثارها كيف تركني دون ان يخبرني وهو رقيق احلامي البريئه؟
كان يعدني بأن يدلني الجنه وليس من شيم الكرماء نكث الوعود.
اصبحت وحيدة بعد انيس خلواتي الطاهرة ، واستشعرت غربة زينب بعد الحسين ،ندبته كما رقية عند فقد الاب الحنون ((ابه من لليتيمات الفاقدات))؟ واستعبرته عبرات ثاكلةٍ فقدت فلذة كبدها .
كان حنونا ، فكيف لا يشجيه حنيني ؟
لمَ لا يعود حتى يربت على رأسي ويطمأنني انه بخير لكنه في رحلة ستنتهي بعد حين فيعود؟
عانيت اليتم بفراقه واستنشقت الموت بعده مرات عدّة ، فلا انا متُ .. ولا هو عاد ..
ايها الطيب ، ايها القلب الرؤوم ، ياكهف اسرار طفولتي... لاجواب .
فقط .. دعني اراك لمرة واحدة اتوسلك ...لاجواب .
تمر الايام وتتبعها السنون على امل رؤيته .
لكنني لم انسه...كما اني متأكدةٌ من انه لم ينسني ، فهو وفيٌ لدموع احبابه .
واذا بي امثلُ امام قبته المهيبة وهي تستقبل ضيف اليوم وصديق الامس وكل الدهر بحفاوةٍ وكأنها تبلغني بشوق ملكها الكريم.
ماليَ لاتحملني قدماي ؟.
مالدموعي تنهمر كبحرٍ تلاطمت امواجه فتدفقت ارامل ويتامى وثكالى فاقدين .
وصلت باب العزيز والخوف يغتال قدرتي ، الخوف من عدم لياقتي لزيارة حضرته واستكلبت عليَ افكارٌ لااجد لها تفسير ها قد وصلتُ الى بقعةٍ طهرت بضم قطعةٍ من محمدَ في جوفها .
لم ارَ القاً يشعُ من تحت الثرى سوى القكَ سيدي. ولم يصادفني حبٌ قد احتوى كل الكونِ كأنت . ابكيك سيدي ام ابكي سنيَّ التي طوتها اللحظات والمسافات ولم ترمقك عيني ، ولم يلحضك طرفي ؟ ام ابكي الكون الذي افتقد وجودك وما احوجه الى نقائك وفكرك وطهرك ؟
ام اردتُ تعويض ما فاتني من دموع الطفولة لأجلك ؟ ترى هل فاتني من دموع الطفولة لفقدك شيء ، حتى تجود محاجري بسيل منها الان ؟ لا اجد اجوبةً لإسئلتيَ الجمّة ، ولا كفافاً لدمعيَ الهطول .
صليت ركعتي الولاء والامتنان في ساحة الرب خجلا فكانت بداية حبٍ جديد من نوعٍ آخرٍ لا ينتهي .
https://telegram.me/buratha