علي الطويل
بقلب هادئ ونفس مطمئنة، وروح فرحة ،وضمير يأمل فضل الله،أستأذن الأخوة والأخوات وأسافر نحو المقر الأبدي وأنا بحاجة مُبرمة إلى صالح دعائكم....بهذه الكلمات البسيطة والكبيرة المعاني التي تعبر عن البعد الروحي للامام الخميني ومن يخاطبهم والعلاقة الحميمة بينهم ، ودع الامام الخميني احبابه ومريديه في العالم الاسلامي يوم الرابع من حزيران 1989 ليرتحل الى المقر الابديمصحوبا بدموع عاشقيه وعواطفهم الجياشة التي لم يسبق لقائد ان حضي بها مثلما حضي بها الامام الخميني . ففيما كان في استقباله عندما عاد الى طهران بداية الثورة ستة ملايين كان في توديعه الى مثواه الاخير ضعف هذا العدد الامر الذي يؤكد ان المدة التي قضاها مع ابناء الشعب الايراني قد تعمق تاثير شخصيته فيهم واضحى الشعب اكثر تعلقا وتمسكا به بعد ما لمس انجازاته وعرف مقدار اخلاصه لهذا الشعب وسائر المسلمين ، فلم يكن الامام الخميني رجل دين حسب بل نفذت شخصيته في تاثيرها حدود الفرد فاصبح ملهما لمجتمع كامل ، وانجازاته فيها دروس للحاضر والمستقبل قد نفهم بعضها وفي المستقبل علنا نفهم من خلاله ماخفي عنا اذ لازلنا نكتشف كل يوم جديدا في تاثير فكره وتاثير منجزاته ، وهذه المنجزات شكلت منعطفا في تاريخ البشرية ، وخاصة على صعيد الامة الاسلامية ، فقد تخطت ثورته حدودها وكل ذلك بفعل شخصيته الفذه ، وقوت بصيرته حيث انها حركت جميع المستضعفين في الارض .
فقد حوت شخصية الامام الخميني الكثير من المقومات القيادية التي جعلت الشعب الايراني يتمسك به قائدا ويكون له مطيعا ، فالبرغم من وجود جهات متعددة ساهمت بالثورة ، ووجود مرجعيات اخرى ايضا ساهمت فيها وكذلك احزاب وشخصيات مختلفة وفيها الكثير من المؤهلين للقيادة ، الا ان هناك اسباب خاصة جعلت الشعب يتمسك بالامام ولعل احد اهم هذه الاسباب هو التاثير المتبادل بين الثورة ورجال الثورة مع قائد هذه الثورة ، فقد اجتمعت في شخصيته شروط القيادة وموقعيته استقرت في المسير الفكري والروحي للشعب الايراني ، وهو كذلك كان يعيش في خضم متطلبات وحاجات هذا الشعب ويعيش ماعانتهم وما يقاسونه من ظلم الطاغوت وزبانيته ، فيما كان الاخرون يفتقدون هذه الميزة الكبيرة التي تمتع بها الامام وهذا هو الفارق الذي جعل الشعب يتمسك به قائدا دون منازع .فقد كان الامام الخميني عنوانا للقيادة الاسلامية والامامة الدينية ، ولو لم يكن الشعب الايراني قد امتزجت روحه بالاسلام وحب النبي واهل بيته (صلوات الله عليهم)، واعتبار ان كل ماينطق به الامام الخميني هو مانطق به النبي والائمة الاطهار لكان من الصعب ان نشهد ثورة بهذا المستوى ، فقد اطر الامام الخميني ثورته ضد الطاغوت بالاطار الاسلامي من المفاهيم والاحكام ، وقد كان صراعة مع الحاكم صراع المظلوم مع الظالم وفق تعاليم الاسلام ، وقد تقبل الناس ذلك وكان تقبلهم منقطع النظير ولو لم يتعلق الناس بشخصية الامام الخميني العالم والمجتهد لكان للعلمانية موقعها في قيادة الثورة ولكن خروج الشعب الى الشوراع طاعة لنداء الامام الذي نادى بعدم فصل السياسة عن الدين ، وللمطالبة بحاكمية الاسلام كانت الفيصل في كل ماجرى ولازال .
لقد اعطى الامام الخميني(رض) للناس شخصيتهم واعاد لهم هويتهم واخرجهم من حالة فقدان والهوية المفقودة الى ان جعل الشعب يؤمن بنفسه عبر الاسلام ، اذ اعلن انه لاسبيل للخلاص الا بالاسلام وروج لثقافة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وعرف الناس بوظائفهم الدينية ، وقد اسس نظاما سياسيا دينيا محكما كان للفرد فيه حصة كبيرة لكرامته وعزته وشخصيته ، الامر الذي انعكس بشكل كبير على ولاء هذا الشعب المطلق لقيادته ونظامه الحاكم الذي لايزال سائرا على ذلك النهج وفق ما خططته ايادي الخميني الكبير ورجال ثورته ، وقد نضجت ثمار تلك الثورة واتت اكلها اذ اضحت الجمهورية الاسلامية من الدول الكبرى التي تعدى دورها الحدود الجغرافية لايران فاصبحت لاعبا عالميا اساسيا في توازنات القوة والقدرة ، والفضل كله يعود الى ذلك الزعيم الملهم الذي نعيش ذكرى ارتحاله الى الملكوت الاعلى جسدا فقط ، واما فكرا وسلوكا فلازال الامام الخميني حاكما وزعيما . فسلام على ذلك الزعيم الذي لازال يعيش في قلوب عشاقه وانصاره وانصار نظامه الذي اسسه.
https://telegram.me/buratha