ميثم العطواني
ان المجتمعات على تعدد أفكارها وانتشارها جغرافيا وبمختلف الديانات والأنتماءات واللغات لا تستطيع العيش بدون قوانين تنظمها وقيم ترعى الحياة، وما القيم إلا هي مجموعة من المبادئ التي يبنى عليها التعامل الشفاف والتي يسعى الجميع للتحلي بها، فهي الضمان على أن يحيا المجتمع حياة حرة كريمة وترعى مصالحه وتدعم حقوقه، وما أجمل العدل في محيط الحرية .
لم تكن هذه المقدمة الموجزة إلا الثناء من خلالها على إنسانية قاضية مسيحية لبنانية حكمت منذشهرين على ثلاثة مسلمين حكما نادرا من نوعه، وذلك بسبب إساءتهم للصديقة مريم العذراء سلام الله عليها، هذا الحكم الذي نفد من دائرة القانون الى محيط الإنسانية ليكون محط أنظار العدل، وبخلاف ان تزج بهم في السجن بتهمة ازدراء الأديان ألزمتهم بحفظ آيات من القرآن الكريم في ذكر الصديقة العذراء وابنها عيسى المسيح عليه السلام، وجاء هذا الذكر في رابع أطول سورة من المصحف الشريف وهي سورة (آل عمران) المكونة من (٢٠٠) آية مباركة، على أن يكون الحفظ عن ظهر القلب .
هذا الحكم الذي أصدرته الإنسانة قبل المسميات والمناصب في مدينة طرابلس القاضية جوسلين متى أثار ضجة كبيرة في لبنان، ولكن ضجة ايجابية لصالح ما تمتعت به من قيم إنسانية عليا قل نظيرها في القانون الدنيوي، جوسلين التي كان يلزمها القانون الحكم بالسجن مدة زمنية قد تصل الى ثلاثة سنوات، إلا انها اكتفت بتوقيفهم لغاية حفظ السورة القرآنية المباركة، هذا القرار أعتبر في لبنان قرارا تأسيسيا يفتح مجالات قضائية مبتكرة لمعالجة المشاكل الاجتماعية وحالات التعصب الديني .
لم يكن حكم جوسلين متى إلا أقرب لما أوصى به الله سبحانه وتعالى، حيث ان المحكومين الثلاثة لو كانوا يعلمون منزلة الصديقة مريم العذراء عند الرب لما سولت لهم نفسهم الجاهلة بالإساءة الى ذكرها الشريف، وبهذا الحكم تكون قد ألزمتهم بمعرفة حقيقة العذراء في كلام الله، وبعد معرفتهم للحقيقة يكون الحكم مختلف إذ تكررت الإساءة .
هذه القضية كم تذكرنا بمأساة القضاء الذي ابتعد عن الجانب الشرعي والإنساني وبات يعمل وفق فقرات تحصر بين قوسين ليس إلا، وصار يبرئ رؤس الفساد وكبار اللصوص ويحكم طفل لم يجد قوت يومه قام مضطرا لسرقة علبة مناديل ورقية .
تحية بمختلف لغات العالم الى القاضية المسيحية جوسلين متى التي تعاملت مع القرآن وفق منظور إنساني، وفي الختام نذكر بما جاء في سورة الأعراف (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) .
https://telegram.me/buratha