خالد الخفاجي
قد تكون أول كذبة أطلقت من على شبكة المعلوماتية هو ما نشره موقع "Usenet" الأمريكي عام 1984 عن خبر انضمام الاتحاد السوفييتي إلى شبكة الإنترنت, مع إن الاتحاد السوفييتي كان آخر ما يفكر به هو الانضمام إلى هذه الشبكة لأسباب أمنية, ومازالت روسيا لحد الآن تستخدم محرك بحث ومواقع تواصل اجتماعي خاصة بها.
كانت هذه مجرد كذبة 1 نيسان بريئة وبعيدة كل البعد عن حملات التضليل الإعلامية والافتراءات التي تحدث اليوم، والتي تهدف في ظل انعدام الضمير الأخلاقي والمهني والإجراءات الرقابية وحمى التنافس الغير شريف بين وسائل الإعلام المستقلة أو الرسمية على السواء, إلى جملة من الأهداف الخبيثة.
ورغم ما يتمتع به من سرعة النشر وسعة الانتشار وقلة التكاليف, فقد اتسم الإعلام الاليكتروني أكثر من غيره بصفة الانفلات من القيود والضوابط المهنية والأخلاقية وقدرته الفائقة على خداع وتمويه المتلقين وترويج الأخبار الكاذبة والمظللة, وفي هذا الجانب, ارتبط ارتباطا وثيقا بشبكات التواصل الاجتماعي وبات احدهما مكملا للآخر, وتبادلا الأدوار بينهما, تارة تطلق الكذبة في مواقع التواصل الاجتماعي لتنتشر بين جمهور المغفلين قبل أن تكون مصدر معلومات الوسيلة الإعلامية الاليكترونية التي ستؤكد الكذبة بتبرير تداولها من "نشطاء" وتغفل أمر التحري عن صحة المعلومة ومن يكون هؤلاء "النشطاء", وتارة أخرى تطلق الكذبة من الوسيلة الاليكترونية لتتناقلها بعد ذلك صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الممولة من الجهة صاحبة المصلحة وليكون الموقع الاليكتروني مصدرا موثوقا لنشر هذه الكذبة.
ومع غزارة المحتوى المضلل والكاذب والغير دقيق فقد المتلقي الحصيف أي أمل حتى ولو كان ضئيلا للخروج من مستنقع التظليل الآسن, وفقد الثقة بمصداقية الإعلام عامة, وبات التشكيك بمصداقية الأخبار صفة شاعت مع شيوع الأكاذيب الاليكترونية يصعب دحضها بالمعلومات الحقيقية.
ولكن لماذا يصر المتلقي على التمسك بمعلومة غير صحيحة، حتى بعد دحضها نهائياً ؟
إحدى الإجابات التي رصدت من خلال صفحات التواصل الاجتماعي عن طبيعة تفكير المتلقي الميال لتصديق الأخبار الكاذبة هي وجود النزعة المتطرفة التي تدفعه الى تصديق الأخبار الكاذبة, مادامت هذه الأخبار تتناغم مع ميوله الفكرية. فإذا كانت هناك معلومة تُظهر الغريم بمظهر سيء، فحينها سيكون للمتلقي حافزاً عاطفياً يدفعه للاستمرار في الاعتقاد بصدق هذه المعلومة دون تكذيب.
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة واقعية للغاية إلا أن الملاحظ أيضا إن للجهل والغباء التأثير الأكبر في انجذاب المتلقي نحو الأخبار الكاذبة, حيث يعتمد "التأثير المستمر" للأخبار المزيفة على مستوى القدرة الإدراكية للفرد, ويمكن للأشخاص الذین يمتلكون مھارات إدراكیة أکبر أن يصححوا معلوماتهم تلقائيا حينما تحل معلومة جدیدة محل المعلومة القديمة الخاطئة. أما أصحاب التفكير والقدرات الإدراكية الأقل فسيكون من الصعب عليهم إجراء مثل هذا التصحيح, وأن أثر المعلومات الكاذبة لم يمح بالكامل عند الأفراد ذوي القدرات المعرفية الأقل, وتظل "الوقائع الكاذبة والمضللة" راسخة في فكر مجموعة كبيرة من المتلقين،
لهذا فان هذه الحالة تشكل حافزاً قوياً للوكالات الإخبارية لنشر المعلومات الحقيقية من المرة الأولى لكسب ثقة المتلقين واثبات مصداقيتها. ولكن ولسوء الحظ، فإنها تمنح أيضا السياسيين غير الأخلاقيين إجازة للكذب المنتظم بمعونة المؤسسات الإعلامية المضللة, وتُسرع لترسيخ الفكرة الخاطئة في أذهان المتلقين قبل نشر الحقائق في الوكالات الرصينة.
https://telegram.me/buratha