طيب العراقي
ربما تبدو الوقائع والاحداث والمواقف؛ المنطلقة من الرياض والمنامة وابو ظبي، منفصلة عما تطرحه واشنطن وسفاراتها في بغداد.
التعمق والتأمل بتوقيت وتتابع ذلك، يؤشر قدرا كبيرا من التنسيق والتخطيط، للوصول الى اهداف معينة، عجزت الادوات والخطط السابقة عن تحقيقها، حيال العراق ومحور المقاومة.
في الذاكرة القريبة؛ وخلال فترة زمنية قصيرة، اقدمت الإدارة الاميركية، وسفارتها في بغداد، على ارتكاب سلسلة إساءات، بعيدة عن الذائقة الدبلوماسية، الاولى تمثلت بأعلان القائم بأعمال السفارة "جوي هود"، بأن حكومة بلاده ستفرض عقوبات على العراق، في حال خرق عقوبات بلاده المفروضة على ايران، وكما طلب من الحكومة العراقية، حل الحشد الشعبي وقطع علاقاته مع ايران، وانهاء ما أسماه بالوجود الايراني في العراق.
الثانية، تمثلت في التهجم على اية الله العظمى السيد علي الخامنئي، عبر صفحة الفيسبوك الرسمية للسفارة الاميركية في بغداد، والثالثة هو ما صرح به قائد عسكري أمريكي كبير، بأن قواته باقية في العراق لأمد طويل؛ للوقوف بوجه إيران ولمحاربة الإرهاب.
تمثل الاساءة الاولى تعديا جسيما على العراق، فيما أستفزت الثانية مشاعر العراقيين، الذين يكنون للسيد الخامنائي إحتراما كبيرا، لاسيما أنه مرجع ديني كبير، من مراجع مذهب اهل البيت"ع"، فيما أنتهكت الثالثة الدستور العراقي، الذي نصّ على عدم جواز استخدام الاراضي العراقية، للاعتداء على جيرانه من قبل اية دولة.
تلك السلسلة من التصعيدات الأمريكية، لم تكن عفوية أو وليست مخططا لها، بل هي رسائل لكل من بغداد وطهران على السواء، وإن اختلفت الدلالات.
أرادت واشنطن ان تقول لبغداد، اننا باقين في العراق؛ وأن حظورنا سيكون بقوة عسكريا ودبلوماسيا ومخابراتيا، وأن سفارتها في بغداد ستكون أداة للضغط على طهران، للحؤول دون تأمين نافذة لها عبر بغداد، وأن عليكم القبول بذلك والتعاطي معه كحقيقة مسلم بها.
واشنطن التي ارادت أيضا ان تقول لطهران، انها ستحاربها بكل الوسائل والادوات والاماكن، ومنها بغداد، وانها ستستهدف حلفائها في العراق، لم تتوقع ان يكون الرد العراقي سريعا وقويا؛ ومتعدد الابعاد والمستويات، ولذلك فأنها عمدت لتشتيت الانظار وخلط الاوراق، بتحريك بعض ادواتها هنا وهناك.
في الرياض أعدمت السلطات التابعة للأمريكان؛ سبعة وثلاثين مواطنا سعوديا جلهم شيعة، كانوا قد اعتقلوا قبل ثمانية اعوام بتهمة العمل ضد النظام الوهابي الحاكم.
في المنامة، تجاوز وزير خارجية البحرين، في تغريدة له على (تويتر) على زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، واصفا اياه بأوصاف لايمكن ان تصدر؛ من شخص يشغل الموقع الدبلوماسي الاول في بلده.
الرياض وابو ظبي سارعتا الى اظهار التضامن مع النظام البحريني، بعد ردود الفعل العراقية المستهجنة لاساءات الوزير البحريني، كما علت اصوات مؤيدة لحكام الرياض حيال حملة الاعدامات الاخيرة.
ترامب، الذي يكرر بكل وقاحة، ان بلاده لن توفر الحماية لاي طرف دون دفع ثمن، والتماهي مع سياساته ومساندتها، وعليه فأن ما مطلوب من حكام الرياض ودول الخليج، ان يصعدوا في مواقفهم العدائية تجاه ايران، والعراق ومحور المقاومة.
بما ان الحروب العسكرية، وتوظيف التنظيمات الارهابية، كالقاعدة وداعش، قد بائت بالفشل، فأن الخيار البديل هو الحرب الناعمة بميادينها المختلفة، لذلك المطلوب من الحكام أتباع واشنطن، ان يثيروا الفتن، ويسيئوا للرموز السياسية والدينية الوطنية، وان يثيروا المشاكل والازمات بين ابناء الوطن الواحد، وان ينشروا ويروجوا لمختلف المظاهر السلبية والقضايا المحبطة.
المهم حتى الان، هو انه رغم الاموال الطائلة التي انفقت، والمخططات والجهود التي بذلت، فشلت واشنطن ومن يتبعها بتمرير اجنداتها، وهي تشعر انها خسرت كثيرا، وستكون خسارتها اكبر، حينما تجد نفسها مرغمة على مغادرة العراق، بعد ان يقر برلمانه قانون اخراج القوات الاجنبية من البلاد.
الخسارة الأمريكية ستكون اكبر، عندما تكتشف ان العلاقات بين العراق وأيران؛ تحكمها قواسم مشتركة ومصالح متبادلة، وأن حقائق التأريخ وثوابت الجغرافية لايمكن تكييفها؛ وفقا لاجندات واشنطن وعواصم الذل التابعة لها.
https://telegram.me/buratha