تأخر إتمام التشكيلة الحكومية لوزارة السيد عادل عبد المهدي كثيرا، فقد إستعصت أربع وزارات مهمة جدا، إثنان منها سياديتان، وحينما شرع عبد المهدي بتشكيل حكومته، كان جميع الساسة، يصرحون بمليء أشداقعهم، بأن تكون الحكومة بعيدة المحاصصة، التي يصفونها بالمقيتة، تدليلا على رفضهم لها!
واقع الحال يكشف عن مفارقة تثير القرف والسخرية معا، من أدعياء رفض المحاصصة، فهؤلاء هم أنفسهم الذين أوقفوا عجلة إتمام تشكيل الحكومة، ليس إعتراضا على الأسماء المطروحة، بل لأنهم يريدون الإستئثار بالمناصب التنفيذية المتبقية، ويعتبرونها "حصة" لهم؛ وهذا مقابل ذاك..!
يلخص أبو العلاء المعري لنا، الوضع في العراق، حين يقول في بيتيه الشهيرين:
مـل المـقـال فكـم أعـاشـر أمـة * حكمت بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كيدها * وعدوا مصالحها وهم أجراؤها
الواضح إن الساسة عموما؛ وعلى جري عادتهم، في كل زمان ومكان، يظلمون رعاياهم مع أنهم أجراء لدى أولئك الرعايا.
الحقيقة أن ليس الظلم؛ ظلم السوط والزنازين فحسب، بل هو ظلم إضاعة الطريق على سالكيه، فبعد ستة عشر سنة، من سلوكنا طريقا كنا تخيلناه، مليئا بالزهر والقداح والياسمين، ما زلنا نتسائل وقد علتنا غبرة الأيام: هل في الأفق أتضاح لمعالم الطريق في بلدنا؟ أم إنه أمر مقضي مكتوب في اللوح المحفوظ، أن نتخبط في غابة ملتفة الأشجار، لا نكاد نتبين شعاع الشمس فيها؟!
هذا التساؤل ينهش عقول العراقيين جميعا، عندما يتأملون العملية السياسية هنا، فالصورة تبدو أننا أزاء "لعبة" وليست "عملية" سياسية، و"اللعبة" أقرب الى الملهاة السمجة منها الى أي توصيف آخر!
الكائنات البشرية هنا تتسائل عن التالي، وبعدين، والنوب؟! وهل سيكون في مقدور الكائن العراقي؛ وهو يتأمل الواقع السياسي، أن يرى في أمد منظور، نهاية ولو ربع سعيدة؟
يتسائل هذا الكائن العراقي أسئلته الحيرى، وهو يعرف أن أغلب الصراعات السياسية، في بقية العالم تدور حول محورين أساسيين، هما محور اليمين ومحور اليسار، أو محور المعارضة والمحور الموالاة، أو محوري المحافظين والتقدميين..ألخ.
فهل نحن نسير حقا؛ نحو الأخذ بعنصرين جوهريين متضادين في اللعبة السياسية، التي تتمحور حول الديمقراطية ومبادئها؟ وهل سنسير في السنوات القادمة، على النهج الذي أخذ به البشر في بقية العالم؟
إستحقاقنا المطلوب شأننا شأن بقية البشر، أن يكون لدينا تياران، يتصارعان سياسيا، ويتعارضان سياسيا أيضا، ولكن بغاية تدعيم أسس الدولة وخدمة المجتمع؟ أترانا سننعم مثل غيرنا باستقرار سياسي، و"بعملية" سياسية نتقبلها جميعنا، ونخرج في الوقت نفسه من شرنقة المحاصصة؟ فلقد عشنا داخل هذه الشرنقة، زمنا أطول مما ينبغي..؟
بعد المحاصصة التي أصبحت"مقبلات" لوليمة"النشاط" السياسي؛ إنتقلنا الى مرحلة "أكثر" تقدما! فاللافت والمستحدث في لعبتنا السياسية، هو فضيحة بيع المناصب وبشكل شبه علني، وهي ضمن الفقرات الأربعين، التي تحدث عنها السيد عادل عبد المهدي، عندما أعلن تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد!
القصة لا تقف عند درجات الوظائف الدنيا، التي بات الحديث عن أثمانها إعتياديا، بل أن جميع مراكز الدولة معروضة اليوم للبيع!..وزير،وكيل وزارة، مدير عام، رؤساء الهيئات المستقلة، رؤساء اللجان النيابية، مستشارين في مؤسسات الدولة، محافظين، حتى رئيس قسم في دائرة ما..عسكريا وأمنيا أيضا؛ آمر فوج، أمر لواء، قائد فرقة، قائد عمليات، مدير منفذ حدودي قائد شرطة، بل وضابط مركز شرطة، شرطي، جندي، وحتى القضاة!
كل مراكز الدولة للبيع، بمعنى أن الدولة كلها معروضة للبيع، وما دام البائع عراقي والمشتري عراقي، "شكو بيها"، فالموضوع حلال شرعا ولا إشكال فيه، لأن مرقنا على أزياقنا..!
https://telegram.me/buratha