قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
ثمة أمراض إدارية كانت فاشية في العصور الغابرة، وبرغم أن الإدارة باتت علوما وفنون، إلا أن هذه العلوم والفنون لم تستطع إجتثاث تلك الأمراض، بل تبدو الصورة وكأن أمراض جديدة؛ تستولد كلما تقدمنا الى أمام.
على أية حال؛ فإن أحد تلك الأمراض، بقي عصيا على العلاج، مقاوما كل الأدوية والعمليات الجراحية بعناد عجيب!
"حاشية المسؤول" لعله أشدها الأمراض فتكا، وهو بمنزلة الطاعون في مفاصل العمل الأداري..أرث إداري ورثناه من الانظمة الحاكمة، التي تعاقبت على حكم العراق، وهو قديم قدم المُلْك، وخاصة نظام المقبور صدام..
هذا الوباء المهلك وجد ارضا خصبة، بعد سقوط النظام في 2003 ، لينمو في جسد التشكيلات المؤسساتية والادارية للدولة، ولم تسلم منه التشكيلات السياسية، أحزابا وتيارات وحركات وقوى، مخلفا تفاعلات قاتلة في عملية البناء الاداري، التي ترتبط ارتباطا وثيقا؛ بالاوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد.
"حاشية المسؤول"؛ من المفروض ان تكون مرآة عاكسة، للمنظومة القيم المتحكمة بعمل المسؤول، وأن تكون زينة لاخلاق وتصرفات المسؤول، لا بل وتتعدى حدود هذه الإفتراضات، لتصبح محطة لصناعة الثقة، ببين المسؤول ومن يتطلب وجوده الإحتكاك بهم، مواطنين كانوا أو معية، مريدين أو أتباع.
قي وضعنا الراهن، تفاقم هذا المرض، وأخذ بعدا وبائيا، وما موجود على ارض الواقع ينذر بكارثة وطنية، قد تلقي بضلالها على جميع مجالات الحياة، فالحاشية تحولت الى "مركز قوة"، تمارس صلاحيات اوسع من تلك التي يتمتع بها المسؤول نفسه! فالرجل يعمل فوق الطاولة والحاشية تلعب تحت الطاولة، وهكذا تتكامل الأدوار!
تصرفات حاشية المسؤول في المؤسسة أو الشارع، كلها تنم عن صلف وعنجهية وغرور، بل وإستهتار بكل الأخلاق والقيم..
الأخطر هو تصرف تنلك الحاشية داخل المؤسسة، فهم السد المنيع بين المسؤول ومرؤوسيه في المؤسسة، وفي بعض مسسات الدولة، والأحزاب والقوى السياسية؛ بات الوصول الى المسؤول ضربا من الخيال، بل أن في بعضها، فإن الوصول الى سكرتير المسؤول أو مدير مكتبه، يقتضي عملا جبارا كي ينال المراجع، "شرف" الإصطباح بوجه مدير المكتب الفليح...!
أمس ألتقيت صدفة أحد كبار القادة السياسيين، أعرفه ويعرفني منذ سنوات بعيدة، وكانت لنا نشاطات مشتركة، وقد كان حميما معي في لقاءه هذا، فقد رحب بي بحفاوة لافتة، وأعلمني أنه منذ عدة أشهر، وهو يرغب بأن يلتقيني منفردا، أخبرته أنها لمفارقة غريبة، إذ أني ومنذ ستة أشهر طلبت لقاءه، لكن مدير مكتبه يتحجج كل مرة بإنشغالات سيده، الرجل سكت ولم يقل شيئا، لأن أمره ليس بيده، بل بيد مدير مكتبه!
كلام قبل السلام: لأن الطيور على أشكالها تقع، ولأن شبيه الشيء منجذب إليه، فلا يمكن لأي مسؤول؛ أن يقول أنه ليس " مسؤولا" عن تصرفات حاشيته؛ فحاشية السوء لأهل السوء..!
سلام...
https://telegram.me/buratha