خالد الخفاجيKhalid.alkhafaji@yahoo.com
أنهى ظهور زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي الجدل الدائر حول مقتله وعن انحسار دور التنظيم في العراق وسوريا ونية الانسحاب من سوريا وتعزيز التواجد الأمريكي في العراق, وجاء متساوقا مع تصريحات أمريكية أخرى ناقضت التصريحات السابقة أطلقت في الآونة الأخيرة عن رصد لتحركات "البغدادي" بين العراق وسوريا, وعن استعداداته لإعادة بناء تنظيمه وفق إستراتيجية حرب عصابات جديدة بعد انهياره عسكريا وفقدانه معظم الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا وكانت مصدر تجنيد وتمويل له, تصريحات أثارت الانقسام في العراق بين مؤيد ومعارض للوجود العسكري الأمريكي.
ظهور البغدادي في هذا الوقت أرسل إشارات واضحة للمطالبين بانسحاب القوات الأمريكية من إن التنظيم مازال قائما وان الأفاعي المختبئة في جحورها قادرة على الخروج في أي وقت لتخلط الأوراق وتعيد ترتيبها من جديد وفق ما تقتضيه المصالح الأمريكية, خاصة إن الجهود البرلمانية الرامية إلى تعديل اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تبيح التواجد الأمريكي قد حسمت أغلبيتها, رغم اصطدامها بمعارضة رئيس مجلس النواب الذي أعلن أكثر من مرة عن حاجة العراق للقوات الأمريكية وعرقل تعديل الاتفاقية.
يستطيع إتلافي الفتح وسائرون والمتحالفين معهم تعديل اتفاقية الإطار الاستراتيجي للدفاع المشترك الموقعة بين العراق وأميركا في تشرين الثاني 2008 وفق الآليات المنصوص عليها في القسم الحادي عشر من الاتفاقية لصالحهم لعدم إيفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها (للوجود المؤقت لهذه القوات) التي وردت في القسم الثالث من الاتفاقية والتي نصت على تنمية الترتيبات الدفاعية والأمنية والتعاون في مجالي الأمن والدفاع، بشكل يحفظ للعراق سيادته على أرضه ومياهه وأجوائه، بينما تصرفت القوات الأمريكية كصاحبة الأرض والسيادة, وفرضت سطوة مستشاريها على القوات العراقية وتحديد أماكن انتشارهم من عدمها على الأرض العراقية والسعي لاتخاذه قاعدة متقدمة لمراقبة دول الجوار لزعزعة الأمن والاستقرار فيها كما صرح الرئيس الأمريكي "ترامب" وقادة عسكريون أكثر من مرة.
إن الولايات المتحدة بوسائلها الماكرة تسعى إلى إجبار العراق على حسم خارطة تحالفه بين العدوين اللدودين إيران وأمريكا وفق قانون (إن لم تكن معي فأنت ضدي), والتلويح بإمكانية إعادة نكسة 10 حزيران ثانية إذا ما اختير الحليف الخاطئ, وهذه المرة يمكن تسليم المنطقة الخضراء بمن فيها لعصابات داعش, وهذا يعني إبقاء العراق أمام خيارين أحلاهما مر, التحالف مع إيران يعني عداوة أمريكا وتنفيذ سيناريوهات التدمير الخفي, وأما التحالف مع أمريكا وهذا يعني استمرار الفوضى في البلاد.
تشير الحقائق الدامغة إلى إن التواجد الأمريكي باسم مكافحة الإرهاب في اغلب الدول كان ولا يزال مثار تذمر واستياء من الشعوب ويخلق بيئة صالحة للإرهاب, ومصاحب دائما لعدم الاستقرار والاضطرابات والاغتيال السياسي والنيران الصديقة, وهذه كلها تؤلب الشعوب ضد حكوماتها وتزيد من تصاعد وتيرة الإرهاب, ففي دراسة عن قاعدة بيانات الإرهاب العالمية أعدتها جامعة "مريلاند" الأمريكية عن تأثير الحرب الأمريكية المزعومة على الإرهاب على سبعة بلدان إسلامية غزتها الولايات المتحدة أو شنت عليها غارات جوية, وجدت إن عدد الهجمات الإرهابية ارتفع بنسبة مذهلة بلغت "1900%" في هذه البلدان، في حين شهدت دول أخرى ذات أغلبية مسلمة زيادة متواضعة بلغت أقصاها "42%". ووجدت خطوط بيانات النماذج الإحصائية أيضًا أن البلدان التي أجرت فيها الولايات المتحدة ضربات جوية أو بطائرات بدون طيار شهدت ارتفاع هائل في الهجمات الإرهابية بلغت 50 ضعفا مقارنة بالدول التي لم تنفذ فيها الولايات المتحدة لأية ضربات عليها, والأكثر إثارة للدهشة هو أن النماذج أظهرت تأثيرا كبيرا عند مقارنة الضربات التي نفذتها الطائرات بدون طيار في السنة الأولى في زيادة عدد الهجمات الإرهابية التي نفذت بعد ذلك بعامين، وهي نتيجة تتوافق مع النظرية القائلة أن الضربات الأمريكية لها تأثير محفز على الجماعات الإرهابية أو خلق جماعات جديدة تحارب الوجود الأمريكي, وانه كلما توسعت الحرب الأمريكية على الإرهاب، كلما أدت إلى تنامي مستويات الإرهاب أكثر.
تقول حكمة فيلسوف الطغاة المخلوعين حسني مبارك (المتغطي بأمريكا عريان), فهل سيتعض ساستنا من إن لا غطاء يستر عوراتهم غير التحالف مع من يصون ويحمي مصالح دولتهم وشعبهم, وان أمريكا عاجلا أم آجلا ستكشف عوراتهم وتقودهم إلى حتف أنوفهم بعد أن تنتفي الحاجة منهم ؟
https://telegram.me/buratha