المقالات

هل سيبقى العراق مثلما نعرفه عراقا؟!


طيب العراقي

ثمة أسئلة كثيرة من بينها السؤال الأقدم في أسئلة الجيوسياسيا:كيف تتفكك الدول؟ هذا السؤال حاول المفكرين السياسيين الإجابة عنه، وتوصلوا الى أن هنالك ثلاث مسارات لتفكك الدول.

 الأول أن تتفكك بفعل خارجي، نتيجة لتناقض حاد بالمصالح بين الدولة وأطراف خارجية، والتاريخ حافل بنماذج لدول سادت ثم بادت، بفعل تناقضها الحاد مع محيطها الدولي، والمسار الثاني هو تفكك الدول لخطأ في بنيتها الأساسية، ما يجعلها دول معرضة للهدم، بفعل العوامل الهادمة الكامنة في بنيتها، ومنها ما ينشأ خلافا لمنطق التاريخ، ولعل أفضل الأمثلة التاريخية على ذلك، الدول (الإسلامية) العنوان (الشمولية) المضمون، كالدولة العباسية والدولة الأموية وبعدها الإتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، والمسار الثالث لتفكك الدول هو تفجرها من الداخل، بالرغم من أن مقومات بنائها الأولى كانت صحيحة، ومستمدة من عوامل بناء مرتبطة بمشتركات قاطنيها.

 تبرز ظاهرة تفكيك الدول، بتفجيرها من داخلها، كواحدة من أبرز الظواهر التي يشهدها العالم، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وتعرضت دول حوالي ثلث سكان الأرض لخطر التفكيك والتقويض، وتعزى قابلية هذه الدول للتفكك والانهيار، إلى أسباب داخلية، وفشل الدولة وعجزها عن أداء وظائفها الداخلية والخارجية، والى تفكك في بنية المجتمع!

توصف الدولة بأنها فاشلة، إذا أخفقت في تحقيق وظيفتها الإدارية، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويصبح حقها في الوجود موضع اختبار، ثم انتقاد الى أن تفقد مبرر بقائها،  لفقدها القدرة على ممارسة وظائفها.

من نتاج فقدها لوظيفتها؛ أنها تصبح خطراً ليس على مجتمعها وحده، بل على محيطها والعالم، وتصبح الدولة الفاشلة خطرا على مواطنيها، بعد إخفاقها بتنفيذ مفردات الدستور، ويبدو أن من بين ممهدات الإخفاق، هو التصميم السيئ للدستور، وتظهر نتيجة لفشل الدولة، الحركات المتطرفة والإرهابية التي لا تقف بوجه توجهاتها حدود، ويصاحب ذلك شيوع الفقر والجريمة والتطرف والتعصب الديني والعرقي، وكلها عوامل توفر إمكانية لتدخل الدول (الناجحة)؛ في الدول ( الفاشلة) لحماية وجودها، من تفشي عدوى (الفشل) فيها، وللمحافظة على أمن المجتمع الدولي وسلامته.

في مثالنا تبدو الصورة قاتمة وأن كانت الآمال ليست كذلك، فلقد كانت فلسفة بناء الدولة العراقية الحديثة، في أوائل القرن الماضي، على أساس افتراض التناقض مع المحيط، وعبيْ مواطنونا بفكرة أن لجيراننا أطماع في أرضنا، وكان مؤسسو الدولة العراقية الحديثة قد صاغوا هذا السيناريو، اعتقادا منهم بأن ذلك هو أفضل وسيلة لحشد الشعب خلف الدولة، على فكرة أن الدولة في لأمام والشعب ينبغي أن يسير خلفها، بدلا من أن تكون الدولة أداة بيد الشعب لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن تتصرف على أنها منفذة لآماله بالرقي ووسيلة لأداء دوره بالحضارة الإنسانية، تعاملت الدولة مع الشعب وفقا لثقافة القطيع، فالشعب وفقا لتلك الثقافة، أداة بيد الدولة وليس العكس، ونلك كانت هي نقطة التي آذنت بزوال الدولة وهدمها..

 وتلك كانت الغلطة التصميمية التي كانت بداية الهدم، فقد تناقضت الدولة العراقية مع محيطها، وعمليا فإن دولتنا كانت على خلاف مع كل دول الجوار، وأن اختلفت حدة من دولة لأخرى، ولعل السبب الثاني؛ هو أن الدولة العراقية الحديثة أنشأت على افتراض جغرافي غير دقيق، والجغرافية لا تعني التوصيف البلداني والتضاريسي فقط، بل تعني أيضا الجغرافية السكانية والبشرية، التي لم تكن منسجمة مع مبادئ تشكل الدول، وحوت دولتنا مشاكل ديموغرافية وسكانية وبشرية ثقيلة مازلت تنمو فينا، ولم تتعامل الدولة مع تلك المشاكل بما يمهد لحلول عملية سليمة، بل لجأت الى حلول خلفت مشاكل أعقد، مثل عمليات التهجير والتطهير العرقي والتسفير وحجب الجنسية وإسقاطها على نطاق واسع، وفقد مبدأ المساواة بين المواطنين تماما.

اليوم وبعد أكثر من ستةعشر سنة على تهدم الدولة العراقية السابقة  بفعل عوامل الهدم التي أشرنا اليها، يبدو بناء الدولة الجديدة محاولة أسطورية لشعب شغل ثلثي التاريخ البشري لبناء (دولة) على أسس جديدة، لأنه مازال يصطدم ببقايا فلسفة الدولة السابقة، التي مازالت تلقى رواجا بيننا، ليس لصلاحها، بل لأن البديل غير واضح المعالم، وأن ثقافة قرن بأكمله لا يمكن محوها بسنوات قليلة  منذ زوال الدولة القديمة، ويبدو أننا سنجري عمليات قيصرية لمشاكلنا الناجمة عن إخفاق الدولة السابقة وبقاء تأثيراتها بيننا...

نمر اليوم بمرحلة جديدة ليس من المتوقع في نهايتها أن تكون دولتنا، هي تلك التي يتصورها الكثيرين، فمعالجة المشاكل بحكمة تقتضي صبرا وقبولا بتضحيات وآلام يصعب تصورها، ومن بينها أن العراق الراهن لن يبقى راهنا الى الأبد، و إذا أردنا التأسيس لدولة صالحة للبقاء لأمد أبعد من المنظور، علينا العمل الجدي للوصول الى صيغة صالحة للبقاء والتداول الطويل، علينا أن نحترم إرادات بعضنا البعض، ومن بينها كل الحقوق الإنسانية، وليس من وسيلة أمامنا إلا بعدم إقسار مكوناتنا على مالا تراه مطمئنا لها، وعلى الدولة أن تقبل بتوصيف (الأداة بيد الشعب) وليس العكس، ويبدو أن الظروف مازالت بعيدة عن الوصول الى تلك الأهداف حاليا...

................

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك