قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
تعالوا نقترب سوية من مكان ليس بمكان، لنقيم فيه معا كمواطنين، بعد أن أتعبنا البحث عن بلد ننتمي إليه، سرقه اللصوص الرسميين!
في هذا المكان ـ الوطن، الدار أوطأ من الشارع بمقدار متر؛ بابه المصنوع من صفائح زيت الطعام، ينفتح على زقاق موحل بماء آسن، يخوض فيه الصبيان الى كعوب أقدامهم..هذا هو الوطن الدائم لإبائهم وأمهاتهم، ولهم أيضا اليوم، وغدا وبعد غد، وبعد كل غد قادم..
في هذا المنفى؛ وحتى تحصل على حق المواطنة، عليك أن تكون فاقد الإحساس تماما، كي تواجه هذا الذي يحصل لنا..هنا نتثقف في كل دقيقة؛ على أن الغسل حق، والكفن حق ،والموت حق، ولذلك علينا قبول الموت، أي موت وبأي طريقة، لأننا سنموت مثلما عشنا، وعلينا أن نسير راضين قانعين بمصيرنا، بصحبة الموت كصديق عزيز، مرحب به متى شاء، وبالكيفية التي يشاء، حتى لو كانت نحرا، نرمى بعده جثثا الى الكلاب!
أبي كرر ما قاله جدي، الذي تعلمه بدوره من جده: الحياة شجرة ونحن اوراق فيها، إذا يبست الورقة وسقطت، يعني أننا متنا، ولم يحدثونا عما إذا يبست الشجرة كلها كما يحصل لنا اليوم!
عندما يدرك المرء أنه فانٍ، فمعنى ذلك أنه يعيش من أجل أن يموت، لا أن يعيش من أجل أن يعيش، لكنه في كل مرة يتذكر فيها أنه سيموت؛ يموت!
لماذا تطالب يا عراقي بتحسين الخدمات، وبمستوى معاشي أفضل؟! لماذا؟ أليس وراءك موت، وأن الحياة إمتحان؟ ألسنا ضيوف في هذه الدنيا؟! أما تعلم أنها مخصصة للسادة النواب وأصحاب الدرجات الخاصة، والتماسيح؟! ثم"منو أبو باچر"؟!
ولذلك فكرت أن نحرق أسئلة إمتحان الحياة، ونمزق دفاتر الإجابة ونآخذ "صفر"، فـ "منو أبو باچر"!
لا شيء يؤلم العراقيين البتة، فقد تعودوا شرب الشاي الحار، في ظهيرة حزيران، الألم قطار مندفع نحو المجهول، والشمس في بغداد بائعة هوى، تبذل نفسها بسخاء..حرارتها تقتل الأطفال والكبار والعجائز..شمس بغداد تتحدى وزارة العدل، لتنفذ الى سجونها التي تفرغ كل شهر مرة من السجناء الإرهابيين، بعملية مرتبة متفق عليها، بينها وبين مسؤولي الأمن، وبين السجناء ومن ينتمون اليتم، يخر فيها عدد من الحراس صرعى، ويتحرر السجناء!
الأمن ذاته خرج من واجبات الحكومة، ليتحول الى مهمة "شعبية"، أنيطت بشيوخ العشائر، وميليشيات (الصكاكة)!
في المشفى يسألك الطبيب هل تملك مالا، إذا كنت كذلك أذهب الى الهند، فهناك ستشفى أما هنا "ماكو چاره" فستموت..وتكتشف أن الطبيب سمسار للمستشفى الهندي!
على الطرف الآخر: مازال الساسة يتشاجرون بلا حياء حول الكراسي، ليتهم يرمون الكراسي على بعضهم البعض، فتتهشم الرؤوس و "نخلص"! يا لكميةَ التعب المعبأة في دماغي، مثل مياه القناني المزيفة!
في داخلي ثمة صوت، يكرر بلا هوادة: المخلصون كالأحجار الكريمة لا نصنعهم، ولكن نبحث عنهم..أجيبه: سالمين؛ هل أنت بخير؟!
ماكو چاره: عبارة قيل أنها تحريف عن (ما يكون)، ولكن السومريين كانوا يستخدموها، قبل أن يخلق العرب؛ و چاره، كلمة قيل أنها فارسية، ولكنها كانت مستخدمة لديهم أيضا، قبل أن يخلق الفرس!. أي أن الحقيقة (ماكو چاره) منذ زمن سومر لحد الآن!
كلام قبل السلام: ما عدت أجيد الكلام باللسان، فقط أعرف كيف أكتب ما في رأسي!
سلام...
https://telegram.me/buratha