طيب العراقي
هنالك مفاهيم باتت مائعة من كثرة تكرارها الممل، التكرار الذي لا يرافقه إستخدام مقبول ومجدي يعطي نتائج عكسية، ويولد نفورا من تلك المفاهيم..
لأننا شعب تثقف على أحادية التفكير، حيث الدولة أب والمواطنين أبناء، وحيث الدولة راعي والمواطنين رعية، وحيث الدولة كائن واجب السمع والطاعة، والشعب عليه أن يسمع ويطيع، لم يترسخ في أذهاننا مفهوم عقلائي لدولة المواطنة.
دوة المواطنة تعني أن جهاز الدولة، والمتكون من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والسلطات الإجرائية ومصادر القوة، جميعها أدوات "تعمل" لدى "رب" عمل واحد هو الشعب، وفقا لعقد إجتماعي تنفذ فيه تلك الأدوات رغبات الشعب وتلبي أحتياجاته.
الوضع القائم معكوس تماما، حيث الشعب "قطيع" تقوده الدولة، وأن المواطنة "منة" وكرم من الدولة، تسبغها على الشعب إذا شاءت، وتمنعها عنه إذا شائت، وفي كلتا الحالتين يتعين على الشعب السمع والطاعة!
من يسبق من، الوطن أم المواطنة؟ !..هذا سؤال الإجابة عنه تفكك علاقة المواطن بالوطن؛ والتي نطلق عليها «المواطنة».
عادة ما تنشأ علاقة «المواطنة»، بين بشر يتفقون على التعايش فيما بينهم، في حيزهم الجغرافي الذي يعيشون فيه، ومن الملاحظ أنهم وفي أغلب الأحوال، وجدوا انفسهم في هذا الحيز دون اختيارهم.
تتحول المواطنة الى حق مقدس لا يقبل التأويل، باتجاهات نقضه أو التشكيك به أو بجدواه، كلما عبر عن وجود الفرد ضمن الجماعة الإنسانية.
خماسية العلاقة هي؛ ناس ، وطن ، مواطنة، وطنية، دولة..بلا ترتيب أيها سابق لغيره..
الوطن أرض؛ لكنه ليس تلك المناطق الجغرافية المُحددة بخطوطٍ وهمية، تفصل مجموعة إنسانية عن مجموعة إنسانية أخرى تُشبهها تماماً، يحكمها شخص أو عائلة أو حزب أو ساسة، ويظنون أنها مزرعتهم الخاصة..الوطن ناس، وبلا ناس يمسي الوطن بلدا للحشرات.
المواطنة مفهوم؛ يتشكل في سياق حركة المجتمع وتحولاته وتاريخه، في صلب هذه الحركة تنسج العلاقات، وتتبادل المنافع، وتخلق الحاجات، وتبرز الحقوق، وتتجلى الواجبات والمسؤوليات.
من مجموع هذه العناصر المتفاعلة؛ ضمن تلك الحركة الدائبة، يتولد موروث مشترك من المبادئ، والقيم والسلوك و العادات؛ هذا الموروث هو الذي نسميه «المواطنة».
هذا الموروث المشترك ؛ هو المسؤول عن تشكيل شخصية المواطن، وهو ما يمنحها خصائص تميزها عن غيرها، ويصبح الموروث حماية وأمانا للوطن وللمواطن.
«الوطنية»؛ هي ان يلوذ الوطن بالمواطن عند الأزمات، ويدافع عنه في مواجهة التحديات، لأن المواطن لا يستغني عن الوطن، والوطن لا يستغني عن المواطن، فوجود أحدهما واستمراره المعنوي رهين بوجود الآخر واستمراره. وهي تعبير عن المواطنة، له مسالك عدة واجتهادات متنوعة، يفترض ان يكون جميعها إيجابياً بالنتائج والمقدمات، والفرق كبير بالمعنى بين المواطنة والوطنية.
«المواطنة» حقوق و واجبات، ومبادرة المواطن ومسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الجماعة التي ينتمي إليها، وهذه الحقوق والواجبات لا تمارس إلا في مجتمع عادل، يحرص على المساواة وتكافؤ الفرص، وتحمّل أعباء التضحية من أجل ترسيخ هذه المبادئ وحمايتها، وفتح آفاق تحسين ممارستها برؤية تتطلع إلى المستقبل، وبحماس لا تطغى فيه العاطفة؛ على العقل والحكمة.
في ظل غياب الروح الوطنية، والفهم لمنظومة الحقوق والواجبات، تضحي مفردات الوطن والمواطنة في مهب الريح ، وتصبح المواطنة منازل ودرجات، وستصير الوطنية لعبة مصالح.
الدولة أداة لضبط العلاقة بين المواطن والوطن، وهي التي ترسم آفاق المواطنة وحدودهـا، وهي التي تحمي حقوق المواطن، وتحدد واجباته..
إذا فشلت الدولة في أداء مهامها، تحول الوطن الى غابة، البقاء فيها للأقوى، حواسم، عصابات جريمة منظمة، إمتناع عن دفع أجور الماء والكهرباء وسائر الخدمات، امتناع عن تسديد الإستحقاقات الضريبية، رواتب عالية لكبار مسؤولي الدولة، منافع إجتماعية لمن لا يستحق..الخلاصة، فساد مشرعن يجتاح مفاصل الدولة والمجتمع، غياب الخدمات الأساسية، تراجع في حقوق الإنسان..
الخلاصة صورة دولة العراق الراهن..!
السؤال الكبير، والذي سنحاول ألأجابة عنه في مقاربة قادمة، ماذا فعلنا نحن في "بدر" لبناء دولة المواطنة، وهل ما قدمناه من تضحيات كان من أجل هذا الهدف الكبير، أم أن أهدافنا تغيرت بتغير الزمان والمكان، أو تلاعبت بها الظروف والأهواء؟!..
هل أننا على قدر هذه المسؤولية..؟! وهل أستطعنا كبدريين إحتواء ألوان الطيف العراقي، عربا وكردا وتركمان، مسلمين سنة وشيعة، مسيحيين وصابئة وآيزيديين، شبك وكاكائيين وباقي المكونات من الشمال الى الجنوب، وهل كان إحتوائنا لهذه المكونات واقعيا وتمثيلا حقيقيا؟!
الخلاصة هي أننا كنا على الطريق، الذي أضعنا بعض معالمه ونحن نغذ السير، لأمور بعضها كنا سببا فيها، وبعضها الآخر خارج إرادتنا، لكن على العموم يتعين علينا أن نسترد زمام الأمور قبل فوات الأوان، وقبل أن تضيع الفرصة التأريخية، فأذا ضاعت سنضطر لإن ننطلق من ما قبل الصفر بمسافة كبيرة..
https://telegram.me/buratha