عادل الجبوري
في مؤتمر صحفي عقده قبل عدة ايام، كرر القائم بأعمال السفارة الاميركية في بغداد "جوي هود"، معظم مقولات وتغريدات وتصريحات الرئيس دونالد ترامب حول قضايا العراق والمنطقة، تلك المقولات والتغريدات والتصريحات الحافلة بالتناقضات والعنجهية والتهور واللاحكمة، لذلك كان من الطبيعي والمتوقع ان تقابل بعاصفة من ردود الفعل العراقية الرافضة والغاضبة والمستهجنة.
كيف لاتكون ردود الفعل العراقية كذلك، والقائم بأعمال السفارة الاميركية في بغداد، يهدد بفرض اجراءات دبلوماسية ضد العراق في حال لم يلتزم بالعقوبات الاميركية احادية الجانب ضد ايران.
والمفارقة هنا هي ان الدبلوماسي الاميركي الاول في العراق يتحدث بلغة بعيدة كل البعد عن الاعراف والسياقات والاصول الدبلوماسية، وقريبة جدا الى لغة عصابات "الكاوبوي" والبلطجة.
ويبدو ان "جوي هود" نسي او تناسى، ان عقوبات رئيسه ضد ايران، تفتقر الى الشرعية، وليس لها غطاء دولي من خلال الامم المتحدة او مجلس الامن الدولي، ونسي او تناسى، ان دولا عديدة، بعضها حليفة لبلاده، اعلنت بضرس قاطع رفضها للعقوبات، وعدم التزامها بها، وهذه رسالة بليغة وواضحة عن حجم الرفض والاستهجان الدولي لسياسات ترامب المتهورة والطائشة.
وفي موضع اخر، يقول هود، "أن دورنا في العراق يأتي لتقوية حكومته لاستكمال هزيمة داعش، وبسط سلطتها في مواجهة تدخلات الإيرانيين، وان الرئيس ترامب كان محقا بضرورة مراقبة الدور الايراني السلبي في المنطقة".
ولعل الحقائق الدامغة، تؤكد ان تنظيم داعش الارهابي، حينما اجتاح مدينة الموصل ومدنا عراقية اخرى، في العاشر من شهر حزيران-يونيو من عام 2014 وما بعد ذلك التأريخ، اكتفت واشنطن بالتفرج على مايحصل ولم تحرك ساكنا، واكثر من ذلك، انها خذلت حتى اصدقائها الاكراد، بينما سارعت ايران الى مساعدتهم ونجدتهم ودفع خطر داعش عن مدينة اربيل.
وتؤكد الحقائق الدامغة ايضا، ان طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية، ساهم في اطالة عمر عصابات داعش الارهابية، عبر توفير الغطاء الجوي، واسقاط الاسلحة والاعتدة والمؤن لها، في ذات الوقت الذي كان يقصف تشكيلات الجيش والحشد الشعبي، ويتذرع في كل مرة، بالادعاء ان ذلك حصل بالخطأ.
بينما كانت ايران-وبشهادة خصومها قبل اصدقائها وحلفائها-اكثر من قدم الدعم والاسناد العسكري واللوجيستي للعراق في حربه ضد داعش.
ويدعي هود، "ان إيران تغرق السوق العراقية بالبضائع الايرانية وتجعل الفلاحين العراقيين لا يعلمون، وتصدر للعراق موادا بـعشرين مليار دولار".
وقد تكون مشكلة كبيرة وحقيقية، حينما نجد دبلوماسيا رفيع المستوى يفتقر الى الدقة وهو يتحدث بالارقام والمعلومات، فالمعروف لاهل الاختصاص والمتابعين، ان حجم المبادلات التجارية السنوية بين العراق وايران، لم تتجاوز الاثني عشر مليار دولار سنويا، مع وجود رغبات جادة من قبل كلا الطرفين لايصالها الى عشرين مليار دولار في غضون الاعوام القليلة المقبلة.
وربما لايدري هود، ان الحكومة العراقية في بعض الاشهر، تحظر استيراد بعض المنتجات الغذائية من الخارج، بسبب توفرها في الاسواق المحلية، كما هو الحال مع بعض المنتجات الزراعية من الخضر والفاكهة، والبضاعة الايرانية تتواجد في الاسواق العراقية الى جانب البضاعة التركية والمصرية والسعودية والصينية وغيرها، دون ان يعني ذلك تبعية وخضوعا من العراق للدول المصدرة.
وعن التواجد الاميركي في العراق، يشير هود الى "ان رئاسات العراق الثلاث ترحب ببقاء القوات الامريكية في العراق وتعدها من اهم خطوات حفظ الاستقرار في البلاد، وان رئيس مجلس الوزراء لم يدلِ بأي تصريح برفض بقاء الوجود الاميركي، أما رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان العراقي، يرحبون ببقاء القوات الامريكية لحفظ الامن والاستقرار، الامر الذي يعزز من العلاقات الاميركية-العراقية خلال الفترة القادمة".
ومن دون ادنى شك، فأن مثل ذلك الكلام بعيد الى حد كبير عن الواقع، لان أيا من الرؤساء الثلاثة، لم يصرح رسميا بترحيبه وموافقته على بقاء القوات الاميركية-والاجنبية عموما، والامر الاخر في هذا الشأن، يتمثل في ان قرار استمرار الوجود الاجنبي من عدمه، يفترض ان يضطلع به مجلس النواب العراقي دون سواه، مع الاخذ بنظر الاعتبار، ان اكبر الكتل والتحالفات البرلمانية، كالفتح وسائرون، تعكف حاليا على تشريع قانون لاخراج القوات الاجنبية من البلاد، وهو ما يثير مخاوف وقلق وحفيظة واشنطن.
وفي تدخل سافر وفجّ، يقول القائم بأعمال السفارة الاميركية في بغداد، "ان الولايات المتحدة الاميركية تريد من القائد العام للقوات المسلحة في العراق فرض سطوته بشكل اكبر على الفصائل المسلحة، خصوصا تلك التي تحاول ان توسع دائرة نفوذها في المناطق التي تم تحريرها من تنظيم داعش الارهابي، واضعاف سيادة الحكومة العراقية، وان الفصائل المسلحة في العراق والتابعة للحرس الثوري الايراني، مرتبطة بما يحدث في سوريا ولبنان واليمن، وهذا ما تحاول واشنطن تحجيمه خلال الايام المقبلة".
والانتهاك الحقيقي للسيادة العراقية، يتجلى واضحا عندما يأتي ترامب خلسة بطائرته الخاصة دون ان يلتقي بأي مسؤول عراقي، والانتهاك الحقيقي، عندما تنصّب واشنطن نفسها وصية على رئيس الوزراء العراقي، وتطالبه ان يفعل كذا وكذا، وان لايفعل كذا وكذا، وعندما يتحدث هود بهذه الصيغة الوقحة.
هذا بعضا مما قاله وادعاه جوي هود، وهناك امورا اخرى لاتختلف كثيرا في سياقاتها ومضامينها عن ما ذكرناه.