خالد الخفاجيKhalid.alkhafaji@yahoo.com
ما أن تولى محمد بن سلمان ولاية العهد, حتى أقرت العديد من القرارات الشكلية التي بدت وكأنها كانت مهيأة من قبل لتجميل صورة النظام السعودي المتطرف والإيحاء بانتقالته النوعية نحو الاعتدال والتسامح, نظام أثبتت الأحداث الراهنة بأنه مصدر الفتن والاضطرابات في الدول العربية والإسلامية, تعززت هذه البديهية بعد تصفية الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي بطريقة همجية بشعة, أعادت الى أذهاننا همجية "داعش" وأثبتت بما لايقبل الشك بان الفكر الوهابي التكفيري الأقصائي هو مصدر الهام النظام السعودي والتنظيم الإرهابي ويدفعهما لارتكاب المزيد من الإجرام.
كان يوم الثلاثاء الماضي يوما داميا بحق, أطاح بأكذوبة الاعتدال السعودي وأعادها مجددا إلى وضعها المعتاد بوصفها دولة إرهابية مارقة مسؤولة عن إشعال العديد من الحروب الأهلية في الدول العربية حينما أعدمت 37 مواطناً اغلبهم من الشيعة بتهم ارتكاب جرائم متعلقة بالإرهاب والتجسس لصالح الأعداء ونشر الفوضى والفتنة الطائفية, تهم أضحت من أكثر التهم شيوعا لتصفية العناصر المعارضة للنظام, والإعدام الجماعي هذا يعد هو الأكبر الذي تنفذه السلطات السعودية في يوم واحد منذ الشهر الأول من عام 2016 عندما اُعدم 47 شخصًا، كان من ضمنهم رجل الدين الشيعي البارز (نمر النمر) ألذي أعقبت عملية إعدامه احتجاجات واسعة في العديد من الدول.
الخبراء الحقوقيون أثاروا مرارًا وتكرارًا مخاوف جدية بشأن عدالة المحاكمات في السعودية, التي تخضع لأحكام صارمة تستمد شرائعها من الفكر الوهابي المتشدد, ونبهت منظمة العفو الدولية (امنيسيتي) الى إن 11 من الرجال أدينوا بالتجسس لصالح إيران وحُكم عليهم بالإعدام بعد "محاكمة جائرة للغاية", فيما أدين 14 شخصا آخرين وأُعدموا لمشاركتهم في المظاهرات المناهضة للحكومة في المناطق الشيعية السعودية, وأضافت المنظمة إن من بين من تم إعدامهم شابًا أدين بجريمة وقعت عندما كان عمره 16 عامًا.
ان النظرة التفاؤلية التي راجت من ساسة وإعلاميين عن التقارب العراقي – السعودي وتسويقهم الانفتاح السعودي على الحكومة (الشيعية) في بغداد كنصر سياسي عراقي لطوي صفحة الخلافات وبداية صفحة جديدة من علاقات الجيرة والإخوة القائمة على الاحترام المتبادل دحضتها هذه الجريمة الطائفية النكراء, وعززت الشكوك من ان هذا النظام لن يتخلى عن سلاح الفتن الطائفية كأحد أهم أسلحته لتفتيت دول المنطقة, وربما كانت هذه الجريمة هي مؤشر لقياس مدى انصياع الحكومة العراقية والأحزاب المنضوية تحت مظلة الانفتاح السعودي لتقبل جرائم كهذه دون ردود أفعال مضادة كما حدث مع إعدام الشيخ (نمر النمر).
إن ضعف الحكومات العربية (ومنها العراقية) وغياب الزعامات القوية أغرى النظام السعودي للسعي لقيادة العالم العربي وتنفيذ المخططات الصهيو- أمريكية في التدمير الذاتي للدول بإشعال الحروب الأهلية وإنهاكها لتسهل عملية احتلالها, فالتحالف العربي والـ (ناتو) العربي المزمع تشكيله هي تحالفات عدوانية تسعى لخوض حروب الولايات المتحدة بالوكالة, وبعد فشل السعودية في احتواء العراق وإخضاعه بالقوة وليست لها قدرة المجابهة المباشرة معه, فإنها استبدلت أسلوب المجابهة الغير مباشر إلى أسلوب الانفتاح والإغراءات الاقتصادية (وهذه نقطة ضعف السياسي العراقي الفاسد). وهذا الدور المرسوم لها جعلها تتصرف بحماقات حتى مع مواطنيها الشيعة والتنكيل بهم واستغلال ردود الأفعال في التعبئة الطائفية بين الشيعة والسنة.
https://telegram.me/buratha