قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
ما من شك أن العمل السياسي؛ نشاط إنساني خلاق؛ يجد عمقه في الواجب الأخلاقي، لذلك مزج "أفلاطون" نظريته السياسية بالأخلاق، وجعل "أرسطو" مبحث الأخلاق؛ جزءاً من مبحث السياسة.
كل ما يتصل بالإنسان فكراً وسلوكاً له حمولة أخلاقية، لذلك يتداول كثيرا شعار "لا سياسة بدون أخلاق"، لكن على أرض الواقع، ثمة من لا يقيم وزنا؛ لأي علاقة بين العمل السياسي والالتزام الأخلاقي.
نحن اليوم إزاء عمل سياسي؛ لا يلتزم بالمعايير الأخلاقية، فالأولوية لدى بعض المنخرطين بالعمل السياسي؛ للمصلحة الشخصية والحزبية الضيقة، ونصطدم بفاعل سياسي يتجرد من الاعتبارات الأخلاقية، إذ يبيح لنفسه استخدام ما يشاء من وسائل، لتحقيق أهدافه السياسية، حتى لو داس بأقدامه على القيم والمثل الموجهة للسلوك السياسي!
لقد أصبحنا في العراق نعيش أبشع تجليات "الميكافيلية"، حيث لم يسبق للسياسة أن ابتعدت عن الأخلاق؛ بالدرجة التي عليها الآن، وتنامى الميل نحو التحلل من الضوابط الأخلاقية، بإباحة "كل" الطرق والوسائل، لتحقيق الأهداف السياسية والمصالح الذاتية.
على الرغم من أن كثير من عناصر الفعل السياسي، ما يزالون يتمتعون بقدر من الأخلاق في عملهم السياسي، لكن بعض ما يجري حالياً في المشهد السياسي، يمثل صورة من صور إنحطاط الفعل السياسي، وصل إلى أدنى درجات الانحدار والابتذال.
لا يمثل كثير مما يقع الآن؛ من عمل سياسي تنافسا سياسيا، بالمفهوم المشروع للتنافس السياسي، فهو عبارة عن صراعات هامشية، الهدف منها تدمير الخصم بكل الطرق المتاحة؛ حتى تلك التي لا تنطوي على أي قيمة أخلاقية، فمن المؤكد ان الكذب والتدليس والتهويل، والنبش بالسير الشخصية والأعراض، وسائل فعل لا تمت الى التنافس السياسي الشريف بصلة.
الوسائل التسقيطية وبوجود الجيوش الأليكترونية، وسهولة إستخدام وعدم وجود قيود أخلاقية؛ على سائل التواصل الأجتماعي، تتحول الى بقعة زيت سُكب عليها الماء؛ فاشتدت لهيباً وانتشاراً.
في الوقت الذي تزداد فيه أجواء الاحتقان الاجتماعي؛ تتعمق الجراح عندما يسقط بعض الفاعلين السياسيين، في مستنقع الصراعات الهامشية والشخصية، ما يدل على أن ذلك السياسي، لم يتطور في سقف تفكيره السياسي، فما يقع حالياً من إضطراب سياسي، يمثل تسخيفا للحياة السياسية بمختلف مظاهرها، وتمييعا للنشاط الوطني وتحويله الى ردح، يشبه ردح نساء الحارات العتيقة.
إنه العبث الذي قد يؤدي إلى هدم الثقة؛ في دور العمل السياسي.، وتجريده من قيمته الأنسانية، والمقلق أكثر؛ هو أن منظومة الأخلاق الضابطة للعمل السياسي، بدأت تتعرض للانهيار، وذلك بانهيار الركن الأخلاقي في السلوك السياسي.
إزاء هذا النوع من الممارسات، وإزاء هذه الطينة من الفاعلين السياسيين، من السهل جداً اغتيال الفعل السياسي، وتعطيل الزمن السياسي، وتجريد العمل السياسي؛ من أي محتوى فكري أو ايديولوجي.
من المؤسف أن بيننا من يعمل وبقوة، على تجريد وسائل السياسة من معاييرها الأخلاقية، لأنه يعتقد أن الحاجة الى الاخلاق في ميدان السياسة، لم تعد تواكب الزمن السياسي الحالي.
لقد أصبح لزاما على المنخرطين بالحقل السياسي، استحضار البعد الأخلاقي؛ كمجال يستهدف سلوك الفرد والسياسة، فتأطير السياسة بالأخلاق أمر ضروري، نظراً لكون السياسة في أصلها، فكرة أخلاقية قوامها مبدأ المصلحة العامة.
كلام قبل السلام: العمل السياسي يمثل قيمة أخلاقية بحد ذاته، وممارسة الفعل السياسي لا يمكن أن تخرج عن دائرة الأخلاق التي تحكم ذلك المجتمع، وإن حدث العكس فسنكون قد أعلنا عن موت الفعل السياسي.
سلام..
https://telegram.me/buratha