قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
شهدنا خلال الستة عشر عاما المنصرمة، سيلا جارفا من التحولات في الواقع السياسي في العراق، وحمل هذا السيل تحولات مرافقة في الواقع القيمي، وما كان "عيباً" قبل 2003، بات أمرا مسكوتا عنه أو "طبيعي" في 2019؛ فما الذي جرى وكيف حصل؟!
التجربة السياسية دلت؛ على أن لكل مرحلة وصفتها الخاصة، على اعتبار أن الفاعل السياسي لا يكرر نفسه، وأن المنجز التاريخي للفاعل السياسي، رهين وقته وعصره، كدواء لعلاج الأزمات، وتنشيط التحولات في كل وقت وحين.
التحولات التي يشهدها العراق، برغم بطئها وتلكئها، لأسباب بنويوية، ذاتية وموضوعية، إلا أنها تطرح ثمارا ونتاجات، نلمسها بشكل من الأشكال، ويبدو هذا واضحا في المجتمع العراقي، بعد التغيير السياسي الذي حصل بعد عام 2003 .
خلال السنوات التي أنقضت، تغير العراقيون على مستويات عدة، وكانت التغيرات ملحوظة، بشكل أكثر وضوحا بالقيم المجتمعية، وبالإصطفافات المجتمعية السائدة اليوم، وبالمستويات الاقتصادية لحياة المواطنين.
التحولات في الجانب السياسي أمر طبيعي وصحي، بل هي من سمات وخصائص عالم السياسة، كونه عالم متحرك متحول، لأنه لا يمكن الإبقاء على وصفة سياسية بعينها، وإذا كان سقوط الأوراق في الخريف لا يخيفنا ولا يدهشنا، كذلك فأن التحولات السياسية هي الأخرى، لا تثير المخاوف ولا تدهش المراقب.
لكننا إذا صرفنا النظر عن إيجابية تلك التغيرات أو سلبيتها، فإنها باتت تضغط بقوة على المجتمع السياسي قيميا، وفرضت عليه أطر تعامل جديدة، وأنتجت مفردات مبتكرة للخطاب السياسي، وما نراه اليوم من تردي في العلاقات السياسية، وإشاعة الخطاب التجريحي المتشنج، هو نتاج لتلك التغيرات؛ التي أحدثها واقعنا السياسي في قيمنا المجتمعية.
الضجيج السياسي مستمر؛ والظواهر السلبية هي الشكل السائد، في التعامل بين الأطراف السياسية، وطغت مظاهر قلة الحياء، بل وقلة الأدب في لغة الخطاب السياسي، وأجواءنا المجتمعية مشبعة بحراك مقلق، من قبل سياسيين مصابين بمرض العوز القيمي المزمن، أدمنوا التنابز والتخديش، الذي يفعل فعل الخنجر المسموم؛ في مشاعرنا وأحاسيسنا؛ مغرزا في صدورنا.
لا ريب ان سبب ذلك؛ يعود الى أن كثير من عناصر الطبقة السياسية، ينتمي بالأساس الى قاع المجتمع، سواء كانوا قد رطنوا؛ بمفردات المدنية واليسار والمجتمع المدني، أو سبحوا بحمد القوى السياسية الإسلامية..هؤلاء لم يستطيعوا إحداث تأثير إيجابي بأهل القاع، بل بالعكس بقوا منقادين للقاع، خاضعين لثقافته المتدنية، وما ينضح عنها من أفعال وممارسات سلبية.
الحقيقة أننا أهملنا التأمل في واقعنا القيمي، ولم نقم بمراجعته، ولم تتبن الدولة والقوى السياسية العريقة، أي نشاط جدي في هذا الصدد، وأقتصر فعلها على المناسباتية والشعاراتية، وحتى النشاطات المدنية التي جرت في هذا الإطار، كان أغلبها مريبا ومشبوها ويدار من الخارج، وأهملت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 كثيرا الجانب الثقافي، بالتزامن مع التردي المستمر للخدمات والأمن، وتصاعد التنابز السياسي، الأمر الذي أشاع مشهدا قاتما على حياة المواطنين.
كلام قبل السلام: ترى هل يمكننا ونحن نتحدث عن التغيير، أن نقوم بتدشين مرحلة جديدة، في التعاطي السياسي المؤطر بإطار قيمي سليم، يلقي على المشهد السياسي؛ قدرا كبيرا من الشفافية والمسؤولية، ويعيد لمجتمعنا قيمه، التي لعب بها ساسة قاع المدينة شاطي باطي؟!.
سلام...
https://telegram.me/buratha