طيب العراقي
من المؤكد أن هامش الأخلاق في السياسة ضئيل، ويضيق هذا الهامش في السياسة الدولية، واثبتت وقائع التأريخ وسجلاته؛ أن هذا الهامش ينعدم بشكل تام، إذا كان الأمريكان طرفا في قضية سياسية ما!
يُعَد الإلتزام بالمعاهدات والمواثيق، حجر الأساس في بناء علاقات دولية سليمة، ودرجت أغلب الدول على إحترام تعاهداتها الدولية، سواء كانت تعاهدات بينية أو جماعية، ضمانا لإستقرار الأمن والسلام الدوليين، وهو تصرف يصب بمصلحة الشعوب، ويصبح الإلتزام بالمواثيق أكثر صرامة؛ كلما أتسعت دائرة تأثيره الدولية.
أغلب رؤساء الدول يختارون كلماتهم بدقة شديدة، وذلك من أجل أن يحافظوا على مصداقية دولهم، حتى في طريقة وأسلوب الخطاب، لكن الأمر مختلف جدا لدى الساسة الأمريكان، فعدم الإلتزام منهج دائم في السياسة الأمريكية، وفيما يتعلق بالرئيس ترامب، الذي يمثل النموذج الأمريكي الصارخ لعدم الإلتزام، فإن الأوساط السياسية والإعلامية، تصفه بالشخصية "ليست تقليدية"، وترجع أسباب هذا الوصف إلى نظرته للأشياء، التي تسودها العفوية والغرابة.
تعطي خطابات ترامب؛ انطباع فوري بأن رئيس الولايات المتحدة، لا تعني له الكلمات شيئا كبيرا، فالرجل يمكن أن يهاجم بحدة؛ ويتراجع بعد ذلك، كما ينتقد الشيء ويفعل عكسه، ونتذكر أنه خلال حملته الانتخابية هاجم السعودية، واتهمها أنها "تريد قتل المثليين واستعباد النساء"، لكن بعد توليه الرئاسة، رأينا أنه جعل من مملكة ال سعود وجهته الأولى في الخارج.
نتذكر أيضا أن ترامب؛ هاجم أيضا حلف الأطلسي، حيث قال انه عفا عليه الزمن ومن ثم صرح بغير ذلك! وهاجم ترامب أيضا الصين حيث صرح أنها تتلاعب بالعملة و"تغتصب" بفعلها هذا الولايات المتحدة، وتراجع عن هذا التصريح بعد ذلك! كما هدد ترامب أيضا كوريا الشمالية بتحويلها إلى جحيم؛ لكن انتهى به المطاف؛ إلى عقد عدة لقاءات مع الرئيس الكوري الشمالي!
في خطاباته السياسية؛ يستعخدم ترامب لغة سهلة وواضحة، وأسلوبه الخطابي مباشر؛ وجمله ليست مركبة، وتثير طريقته الخوف الكامن في كل إنسان، ففي غالب الأحيان ينهي ترامب خطابته؛ بكلمات مفتاحيه كالموت، الخطر، سيء، وهذا من أجل أن يحتفظ المتلقي في ذهنه، بهذه الكلمات كآخر شيء سمعه.
يهدف ترامب في خطاباته وتصريحاته؛ إلى إستعادة قيمة ومكانة الولايات المتحدة، التي فقدت منها كثيرا على الساحة الدولية، وربط ذلك بمفاهيم الخوف، القوة، الخطر، ولذلك فإن أسلوب الإهانة والعنف والتصريحات النارية الصادمة، تمثل سياسة تجعل منه كموضوع أساسي في وسائل الإعلام، ومن أجل ذلك ذهب ترامب بعيدا، في عدم الإلتزام الأخلاقي بالعهود والمواثيق، التي أبرمتها بلاده مع جهات دولية كثيرة، إذ تراجع على اتفاقيات دولية، لطالما دافعت الولايات المتحدة عنها!
ضرب ترامب عرض الحائط؛ الاتفاقية الدولية حول التغيرات المناخية، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمة اليونسكو، ومعاهدة الشراكة الاقتصادية العابرة للمحيط الهادئ، واتفاقية حظر استخدام الصواريخ الباليستية مع روسيا، وأوقف تمويل وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وألغى إتفاق السلام مع الحكومة الكوبية، وتنصل من الإتفاق على البرنامج النووي الإيراني، وخالف القانون الدولي فيما يتعلق بوضع القدس والجولان السوري، كمناطق محتلة، إذ أعترف بسيادة الدولة العبرية عليها، معتبرا أن هذه المعاهدات والاتفاقيات، لا تخدم مصالح الولايات المتحدة.
ألمحصلة أن ترامب يتبع أسلوبا جديدا؛ في إدارة السياسة الخارجية لبلاده، شعاره "لا شيء ثابت، الكل متغير"، ويستهدف بهذه السياسة؛ إبراز قوة ومكانة الولايات المتحدة على مستوى العالم، وإبراز أنها قادرة أن تقلب الموازين وتغير الثوابت، وآخرها قرار ترامب بعد الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وهو جيش دولة عضو مؤسس في الأمم المتحدة ..!
https://telegram.me/buratha