قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
ونحن في الذكرى السنوية التاسعة والثلاثين للشهيد المفكر العظيم، السيد محمد باقر الصدر، نكتشف الإدهاش فيما خلفه لنا من تراث فكري، هذا التراث الذي أتسم بمزايا تفرد بها عن سواه من المكرين الأقدمين والتالين!
لقد إتسمت فعاليات الشهيد الصدر العلمية بالسعة والشمول ، حيث شملت مجمل العلوم، ذات العلاقة بالعقيدة والشريعة والمجتمع الاسلامي.
تناول الشهيد الصدر بالبحث: الفقه، والاصول، والفلسفة، والعقائد، والحديث، والرجال، والتاريخ، وفلسفة التاريخ، والمنطق، والنظام الاسلامي، والاقتصاد السياسي والمجتمع الاسلامي. وقد كان يتناول الموضوع الواحد، من خلال ابعاد متعددة، ليعطي للشمول سعة وانطلاقا.
لم يهتم الشهيد الصدر بالشمول كهدف، وانما كان العمق في التناول للموضوعات والتجديد فيها، هو الهدف من وراء الابحاث التي كتبها، بحيث يلاحظ الباحث والمطالع ،لها الشئ الجديد دائما او النكهة الجديدة على الاقل، بالاضافة الى انه يحاول؛ ان يفتش في ابحاثه عن نقاط الفراغ ليملأها، ويثري بذلك الابحاث الاسلامية.
كان يستكشف النظرية الى جانب التفصيل، ولم يكتف الشهيد الصدر بالعمق كهدف اساس، بل وضع الى جانبه هدفا آخر كان يسعى اليه، وهو استكشاف النظريات العامة، التي يمكن ان تكون قاعدة، يعتمد عليها في الحالات المشابهة، فلم يقتصر في بحثه العلمي على الجزئيات وتعميقها، بل كان ينطلق منها الى الكليات؛ التي تجمعها وتربط بينها، الأمر الذي كان يضفي على العمق والتجديد ،في آن واحد بعدا جديدا مهما، يساهم في دعم المواجهة الحضارية، التي يخوضها الاسلام مع الحضارات الجديدة.
الى جانب ما تقدم؛ كانت الموضوعية طابعا مميزا لأعماله العلمية، بحيث كان يتناول القضايا المختلفة، ومن القضايا التي يتحكم بها العرف والذوق الفني، بالتحليل العلمي الموضوعي، وينتهي بها الى نتائج رائعة تفسرها، تكون العرف العام والذوق الانساني، فهو يدرسها كظاهرة اجتماعية او لغوية ،كما يدرسها العالم في مختبره، ولا يبتعد بها عن اطارها الخاص، والارضية التي احتضنتها ونمت فيها.
الواقعية صفة اخرى يتميز بها البحث العلمي للشهيد الصدر، بل سنجد هذه الواقعية؛ اساسا لكل بحث علمي في الشريعة او المجتمع..الواقعية التي تعني الانطلاق من الواقع القائم، واستنطاق القرآن والشريعة، والقوانين العلمية والتاريخية في تفسيره ومعالجته للمواضيع المبحوثة.
لقداعطى الشهيد الصدر للواقعية بعدا اعمق، حين ادخل نتائج التجربة البشرية، كطرف في البحث والمقارنة، حيث تصبح النظرية التي يراد استنباطها، اكثر وضوحا وواقعية، وذلك كان واضحا في كتب فلسفتنا واقتصادنا، والتفسير الموضوعي، حيث اعتمد اسلوب المقارنة؛ مع حصيلة التجارب البشرية المعاصرة، اساسا في فهم النظرية الاسلامية.
اهتم السيد الشهيد بالشكل ـ بالاضافة الى اهتمامه بالمضمون ـ لأن الشكل يخدم المضمون في اهدافه، بالاضافة الى ان السيد الشهيد، كان يكتب للامة بكل مستوياته،ا ولم يكن يكتب لنفسه او للنخبة العلمية فحسب.
كلام قبل السلام: الخلاصة أن الشهيد الصدر؛ لم يكن يكتب عن الواقع؛ من خلال التصور للواقع او تخيله او ما يقرأ عنه، بل كان يعايش الواقع بعقله وروحه، من خلال الممارسة والمشاهدة الحسية ،لأنه كان يتحرك ضمنه ويتفاعل معه يوميا، من خلال الصراع السياسي والاجتماعي المستمر.
سلام..
https://telegram.me/buratha