قاسم العجرش
كان الشهيد السعيد محمد لاقر الصدر رضي الله عنه طموحاً بعيد النظر، قوي العزيمة، وهذا ما جعله مدرسة خاصة متميزة قل نظيرها. وإن جلّ كتابات وبحوث الإمام الشهيد وليدة الحاجة والضرورة فهو يعنى بما يفتقر إليه المجتمع من الغذاء الفكري فيبادر إلى إشباع هذه الحاجة فهو في حالة تأهب مستمر للدفاع عن الثغور الإسلامية في الفكر والعقيدة ويستهدف القضاء على الأمراض الفكرية المستوردة بعد تشخيص العلاج الناجح الذي يستأصل جذورها واقتلاعها.
وكانت بحوث وإبداعات الشهيد... كلها بدافع سد الحاجة الإسلامية لتلك المجالات التي درسها والملاحظة التي نريد تأكيدها أن الشهيد لم يبحث عن شيء من غير هدف إسلامي ولهذا لا نجد دراساته وبحوثه إلا نافعة ومعمقة ذلك أن التفاعل مع الهدف والإخلاص له يترشح إلى تمام العمل ويسري إليه ويمنحه القوة والعمق... ومن معالم مدرسة الشهيد الصدر رضي الله عنه التجديد وذلك على مستويين:
الأول: التجديد في طريقة التفكير والثاني: التجديد في المنهجية، فعلى المستوى الأول فإن الشهيد لا يقتصر على محاكاة ما خلَّفه السلف من نظريات وأفكار بل يضيف إليها أفكاراً ونظرياتٍ تعمقها وترمم بنيانها تارة أو يعيد صياغتها من جديد بشكل يتباين معها. والمَعْلم الآخر في مدرسة الشهيد الصدر رضي الله عنه الإحاطة والدقة والشمول، فعندما يتناول الشهيد الصدر رضي الله عنه مسألة ما فإن قلمه لا يدعها إلا وقد ذكر جميع الاحتمالات والوجوه بحيث لا يترك مجالاً لغيره من بعده الذي لا يجد مبرراً لتناول البحث وقد سبقه إليه قلم الشهيد الصدر رضي الله عنه. وتتميز مدرسة الشهيد الصدر بالجرأة والإقدام في طرح الحقيقة والنظريات التي يتوصل إلى استنتاجها ولا يحاول إخفاءها خشية الرد عليها من المشهور لأنه يعتقد أن الحقيقة العلمية لا بد أن يكشف النقاب عنها وإذا ما تجلت لأحدٍ وجب عليه إبرازها إلى حيّز الوجود وإن كان في إبرازها تخطئة للسلف والمشهور وذلك في كل المجالات التي بحثها السيد الصدر رضي الله عنه. ومن المعالم التي طبعت بها مدرسة الشهيد رضي الله عنه هو الحياد تجاه النطريات والمذاهب والأفكار التي يطرحها الخصوم ولا يحاول أن يقفز إلى النتائج دون مناقشتها بل يعمد إلى دراستها بشكل موضوعي ثم يصدر أحكامه عليها. ومن معالم مدرسته أيضاً أنها خرجت من نطاقها ودائرتها الإقليمية لتخترق الحدود المصطنعة وتنفذ إلى قلوب المسلمين في كل مكان.
اشتهر صيته في مجالات متعددة رغم وعورة مسالك العلوم والمعارف التي عرف بها فكان ذا نظرية في الاقتصاد والفلسفة وذا رأي في علم الرجال والتأريخ واللغة وذا مدرسة مستقلة متميزة في المنطق والأصول ولكنه كان قبل ذلك كله فقيهاً من أكابر الفقهاء ومرجعاً من أعاظم المراجع قل نظيره وندر مثيله. وقد عرف نظره الثاقب وغوره البعيد ورأيه السديد في مسائل الفقه ومواضيعه منذ صباه حتى إذا حضر بحث السيد الخوئي قدس سره فكان أبرز تلامذته وأصغرهم سناً وأوفرهم حظاً في الفقه ومسائله فقضى ثلاث عشرة سنة في ملازمة السيد الخوئي قدس سره. شرع بإلقاء أبحاثه العالية في الفقه وحضر لديه الكثير من العلماء والفقهاء واستمرت بحوثه لما يقرب من العشرين عاماً إلى قبيل استشهاده.
وكانت بحوثه الفقهية من أروع البحوث كما اعترف بذلك أعلام الفقه يقول السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي: "إنني أتحرج في الحديث عن هذه الشخصية شخصية السيد الصدر المثلى خصوصاً وإن ذلك يحتاج إلى معرفة دقيقة بكل الظروف التي أحاطت بها إلا أنني أكتفي بإيراد بعض النقاط عن هذه الشخصية ذات الأبعاد المتعددة، ومنها عنصر الأصالة الاجتهادية التي قل نظيرها". طبع من أبحاثه الفقهية أربعة مجلدات باسم "بحوث في شرح العروة الوثقى" وقام بتوسيع أفق البحث الفقهي لشتى أبواب الحياة بالشكل المنسجم مع متطلبات اليوم وبأسلوب يتجلى به أن الفقه يعالج كل مناحي الحياة ويواكب الوضع البشري الفردي والاجتماعي حتى النهاية وبشكل يتضح أن البحث الفقهي متحرك يواكب حركة الحياة. وقد شرع رحمه اللَّه لتجسيد هذا الجانب في رسالته العملية المسماة (الفتاوى الواضحة) إلا أن استشهاده قد حال بينه وبين إكمال الكتاب.
https://telegram.me/buratha