عادل الجبوري
تنعقد القمة العربية في تونس، هذه الايام في ظل ظروف واوضاع، تبدو مختلفة الى حد ما عن الظروف والاوضاع التي عقدت فيها القمم السابقة.
ولعل جانبا من تلك الظروف والاوضاع، تحمل بعدا ايجابيا، والجانب الاخر منها ينطوي على بعد سلبي، ولكن في الاطار العام، يبدو ان البعد الايجابي يشغل مساحة اوسع من البعد السلبي، والمؤشرات والدلائل على ذلك ليست قليلة، من بينها انحسار وتراجع تنظيم داعش الارهابي، بعد الهزائم الكبيرة التي مني بها في كل من سوريا والعراق، خلال الاعوام الخمسة المنصرمة، وفشل مشاريع واجندات التقسيم والتفتيت، وانتعاش فرص التفاهم والوفاق-ولو بالحد الادنى-بين بعض اطراف وقوى المنطقة، وفي كل ذلك، يبدو العراق عنصرا محوريا فاعلا في توجيه الامور بمساراتها الصحيحة والصائبة.
فهذه المرة يأتي العراق، وهو يتبنى رؤية واضحة وسليمة حيال القضايا والملفات المحورية للمنطقة، حيث برز جزء كبير من هذه الرؤية في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب، تمهيدا للقمة.
ففيما يتعلق بفلسطين، اعرب العراق عن رفضه القاطع لقرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب، القاضي بالاعتراف بمدينة القدس الفلسطينية عاصمة للكيان الصهيوني، وشجبه لسياسات الاستيطان الصهيوني في الاراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية.
وبخصوص سوريا، عبر العراق عن موقف مبدئي رافض لقرار ترامب الاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على هضبة الجولان السورية المحتلة، معتبرا ذلك الاعتراف بمثابة سابقة خطيرة وانتهاكا فاضحا للشرعية الدولية.
ويدعو العراق بقوة الى عودة سوريا لجامعة الدول العربية، واستعادة مقعدها لممارسة كافة انشطتها وحقوقها الشرعية، بأعتبارها عضوا مؤسسا للجامعة.
وفي اطار الملف اليمني، دعا العراق الى حل سياسي بين اطراف النزاع، بما يحفظ وحدة التراب اليمني ويصون سيادته واستقلاله، ويمنع التدخلات الخارجية، وتقديم العون والدعم الدولي من اجل اعادة اعمار ما دمرته الحرب العبثية طيلة اربعة اعوام.
ونفس الشيء بالنسبة للملفين الليبي والصومالي، حيث شدد العراق على دعم وتعزيز الحلول السلمية، التي من شأنها انهاء مظاهر الفوضى والاضطراب وغياب الاستقرار، ووضع حد لحالة الاستنزاف المجتمعي فيهما.
وما يعطي مواقف بغداد، قوة وتأثيرا وحضورا، المكانة الاقليمية والدولية، التي اخذ العراق يستعيدها، بفضل نجاحه بهزيمة الارهاب الداعشي التكفيري، وانفتاحه الخارجي، وسياساته المعتدلة والمتوازنة، البعيدة عن التأزيم والتصعيد والتشدد، وكذلك فأن الاجماع-او شبه الاجماع-العربي على رفض السياسات الاميركية الداعمة للكيان الصهيوني، ومواجهة اجندات تقسيم وتفتتيت بعض دول المنطقة، ساهم في تعزيز مواقف وتوجهات العراق الايجابية، بنفس القدر التي ساهمت في تلك المواقف والتوجهات، بأعطاء زخم وقوة اكبر للمواقف العربية الصحيحة.
الى جانب ذلك، فأن العراق يمكن ان يضطلع بدور مهم في التخفيف من حدة المواقف السلبية لبعض الاطراف العربية حيال الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتي لاتصب في مصلحة عموم المنطقة، بل انها تنسجم مع مصالح واشنطن وتل ابيب.
ويمكن ان تكون قمة تونس على العكس من قمة الظهران السعودية في العام الماضي، من حيث الخطاب الانفتاحي المعتدل والمتوازن، والمواقف الواقعية، والتوجهات العقلانية. وقد اعتبر ساسة واصحاب رأي، قمة الظهران في وقتها بأنها أججت الصراع الطائفي بالمنطقة، ووضعت الحطب على النار، لأن جل همها كان الصراع مع إيران.
وهناك نقطة اخرى، يعمل العراق عليها، ترتبط به حصرا، الا وهي السعي لادراج قرار اعفائه من الديون المترتبة عليه ازاء صناديق الدعم لعدد من الدول العربية بنسبة 75%، انطلاقا من مبدأ ضرورة قيام اعضاء جامعة الدول العربية بمساعدة ودعم العراق في مرحلة اعادة اعمار مناطقه ومدنه المحررة من تنظيم داعش، والتي تعرضت لقدر كبير من الدمار والخراب جراء المعارك فيها.
اضف الى ذلك، ان المؤتمر الدولي لدعم اعادة اعمار العراق، الذي عقد في دولة الكويت منتصف شهر شباط/ فبراير من العام الماضي 2018، شهد العديد من التعهدات والالتزامات العربية الاقليمية والدولية، للمساهمة بمليارات الدولارات لمساعدة العراق من اجل محو ما خلفه داعش الارهابي من خراب ودمار في المدن والمناطق التي احتلها لفترة من الزمن.
ولا شك ان اية مبادرات عربية بهذا الشأن، يمكن ان تكون لها مردودات ايجابية شاملة، لاسيما وان العراق بات يمثل بيئة اقتصادية واستثمارية جاذبة، ولعل الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين العراقيين ونظرائهم من دول اخرى، خلال الشهور القلائل الماضية، اشرت الى ذلك الامر.
وطبيعي انه الى جانب التوجهات والمواقف الايجابية، ستكون المواقف والتوجهات السلبية حاضرة، بيد انها لن تقوى على حرف المسارات الصحيحة، فسوريا تعدت مرحلة الخطر، وبات خيار تقسيمها وتشضيتها في خبر كان، كما هو الحال مع العراق، واليمن نجحت في تفويت الفرصة على الاجندات والاملاءات الخارجية من ان تفرض خياراتها على الواقع، ولم تعد المراهنة على مشاريع بائسة من قبيل "صفقة القرن"، و "الناتو العربي"، ذات جدوى، ولن تفضي خطوات بعض الانظمة العربية بفتح ابوابها للكيان الصهيوني سوى الى مزيد من الذل والخنوع في مقابل تحدي ومواجهة وصمود الشارع العربي متعدد العناوين والبرامج والافكار والثقافات.
صحيح ان قمة تونس، لن تقلب الموازين، التي اوجدتها ورسختها احدى واربعين قمة عربية، بدءا من قمة انشاص المصرية في عام 1946 وحتى قمة الظهران السعودية في عام 2018، ولايتوقع منها ذلك، الا انها يمكن ان تحدث تصحيحا –ولو صغيرا- في المسارات والسياسات العربية الخاطئة، والعراق لن يكون بعيدا ولا هامشيا في ذلك التصحيح.
https://telegram.me/buratha