محمدكاظم خضير
أكاد أجزم بأن الأعلام والأناشيد الوطنية مع رمزيتها وقداستها هي كائنات حية مادية ومعنوية ذات سلطان مطلق بنّاء وهدّام؛ ولها - كغيرها من الكائنات- سير وحكايات تختلف باختلاف محتدها الذي تنتمي إليه، وعلاقة ذلك المحتد بالحضارة البشرية، ومدى الوعي والنهوض فيه، أو الانحطاط والخمول المعششين في ربوعه.
مرة أخرى يدور نقاش واسع وحاد بين المطالبين بضرورة تغيير النشيد الوطني والمتمسكين بهذا النشيد، وهو نقاش شغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي وسياسيي العراق .
ولأننا تعودنا دائما على أن لا ننظر إلا بعين واحدة لكل قضايانا وهمومنا فقد احتد النقاش بين الطائفتين، وهو سيظل محتدا كلما تمت إثارة الموضوع، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن لكل طرف من الطرفين حججا قوية وكافية لمواصلة هذا النقاش إلى ما شاء الله له أن يتواصل.
وبعيدا عن الشحن العاطفي، وتقديرا لكل الحجج التي تم تقديمها، فيمكن القول بأن تغيير النشيد الوطني سيبقى مطلبا وجيها (لأسباب سأبينها لاحقا)، ولكن إثارة مثل هذا المطلب الوجيه في مثل هذا الوقت سيفقده الكثير من وجاهته.
إن النقاش حول تغيير النشيد الوطني يجب أن لا يثار إلا في الأوقات التي تكون فيها البلاد تعيش وضعية سياسية طبيعية، أما إثارته في مثل هذا الوقت فلن تكون مجدية، خصوصا وأن الأطراف السياسية لا زالت عاجزة عن الاجتماع لنقاش قضايا سياسية أشد إلحاحا وأكثر استعجالا من تغيير كلمات النشيد الوطني.
إن هناك أولويات في الظرف الحالي، وليس من بينها قطعا تغيير النشيد الوطني الذي لم يتسبب منذ اعتماده في إثارة أية مشاكل تستدعي أن يُلِح البعض في المطالبة بتغييره، وكأن عدم تغييره في الوقت الحالي، ستتسبب في مزيد من المشاكل.
كما أن إثارة مثل هذا الموضوع، في مثل هذا الوقت قد يحسبها البعض تطاولا على النشيد الوطني والذي يشكل رمزا من رموز الوطن، وبالتالي فإن احترامه يعد مسألة في غاية الأهمية، خصوصا في بلدنا كبلدنا، حيث لا يزال الانتماء للوطن ولرموزه ضعيفا جدا لدى أغلبية العراقيين .
ولكن، ورغم ذلك كله، فإنه يمكن القول أيضا بأن المطالبة بتغيير نشيدنا الوطني ستتحول إلى مطلب شرعي ومُلِح، في ذلك الوقت الذي ستتجاوز فيه بلادنا أزمتها السياسية، وتنتقل فيه إلى وضعية سياسية طبيعية تساعد في نقاش أمور عديدة من بينها، أو على رأسها، تغيير النشيد الوطني.
إن هناك أسبابا عديدة تدعو إلى تغيير نشيدنا الوطني عندما تأتي الظرفية المناسبة لذلك، ومن بين تلك الأسباب سأكتفي بثمانية:
ـ إن تغيير الأناشيد الوطنية، أو حذف أبيات منها، أو إضافة أبيات جديدة، ليست من الكبائر السياسية، وليست من البدع السياسية، وهي أمور قد حصلت في العديد من دول العالم المتقدم أو المتخلف على حد سواء.
إن نشيدنا الوطني الحالي ليس فيه ما يميز هويتنا الوطنية أو الإسلامية .
إن هويتنا الإسلامية الخاصة، والتي تميزنا عن غيرنا من المسلمين قد غابت تماما عن نشيدنا الوطني، وأقصد بهويتنا الإسلامية الخاصة، مصطلحات مثل : بغداد ، البصرة ، كربلاء، النجف، أو أي مصطلح آخر له دلالة العراقية وإسلامية في نفس الوقت.
إن نشيدنا الوطني لم يمجد المقاومة المسلحة أو السياسية رغم أن ذكر المقاومة وتمجيدها يعد من القواسم المشتركة التي اشتهرت بها أناشيد الدول التي عانت من الاستعمار في فترة من فترات تاريخها.
إن نشيدنا الوطني قد تمت صياغته في فترة تجاذبات عقدية مما انعكس على بعض أبياته، ومن المعروف أن الأناشيد الوطنية يجب أن تكون مُوحدة لا مفرقة.
لم يتم ذكر كلمة وطن، أو دولة، أو بلاد مما لا يساعد في تعزيز الانتماء للوطن العراقي ، ومن المعروف أن مشكلة العراقية ليست في ربطه بانتماءاته الأوسع (إسلامية أو عربية ، فالمشكل الأساسي للإنسان العراقي كان ولا يزال في فشله في أن يكون العراق من قبل أن يكون أي شيء آخر.
أبيات النشيد تصلح لقبيلة أو لقوم متجانسين بالكامل، ولكنها لا تصلح لشعب متعدد الأعراق.
يقال إننا بلد الشعراء امثال الجواهري والسياب قبل لذلك فلن نواجه مشكلة في الحصول على أبيات شعرية تحتفظ بالبعد الديني لنشيدنا الوطني الحالي، مع إضافة أبيات تعزز من اللحمة الوطنية، وتقوي وتعزز من الانتماء للوطن العراقية .
الخاتمة الموضوع إن تغيير النشيد يجب أن يكون بإرادة الشعب بأكمله ، ولا يمكن أن يقر ويمرر عن طريق”برلمان”مهما كانت شرعيته،لإن تغيير أو تعديل الراية والنشيد الوطنيين في نظرنا هو كتغيير أو تعديل الدستور لايمكن أن يحدث إلا ياستفتاء الشعب عليه، عندما تكون الأوضاع مستقرة.
https://telegram.me/buratha