طيب العراقي
هل يرتبط مفهوم الهوية باللغة القومية فقط؟ أم أن هناك حبال أخرى؛ تربط الهوية بمثابات مختلفة غيرها؟ أم أنه يتعين أن يتم إستحضار العوامل الاجتماعية والثقافية، لتشكل الهوية في علاقتها بالتراب، وأن لا بد من تفهم موقع تلك العوامل في المجال الثقافي، لتشكل بالمحصلة مفهوما متكاملا لها؟!
إذا كان هذا الموضوع؛ قد استأثر بالعديد من المقاربات والدراسات، التي تباينت في مناهجها واختياراتها ومستوياتها المعرفية، فإن هذه الأسئلة وغيرها، ناقشها كثير من المهتمين بوضع إطار للهوية، يمكن المعنيين من التعامل مع محددات معروفة، تسهل لهم بناء مواقف وقناعات على أساسها..
في موضوع شائك ومعقد مثل موضوع هوية الفيليين، تنبري حقول المعرفة والإطارات المرجعية، والنوازع الأيديولوجية لفرض محدداتها، على تشكيل الهوية للأفراد والمجتمعات.
خلال هذا الإنبراء؛ الذي يتحول في منعطفاته المهمة الى صراع، تصدر أحكام تعسفية وتصادر آراء وتقمع مفاهيم، وفي أوقات الضجيج؛ لا يعلوا إلا صوت التعسف والإقسار الفكري.
إن أسئلة الهوية لا يمكن مقاربتها بيسر، ولا يكفي للإجابة عليها تعميم سطحي، لأن الهوية ببساطة، ميدان رحب للوجود والإلغاء، ومباءة للحرية والإستبداد..
بديهي أن الحديث عن الإنسان ـ الفرد اليوم، لا يتسم بالعملية ولا يعني شيئا، لأن لا يوجد إنسان فرد في عالمنا..فالإنسان اليوم وإن أحتفظ بملامح فردية، وصفات خاصة ومجال حيوي فردي، لكن هامش كل ذلك محدود جدا، ولا يمكن التعامل مع الإنسان، إلا بصفته عضو في جماعة ـ أمة، وهكذا حينما يجري الحديث عن الهوية الفيلية فإن المقصود الأمة الفيلية..!
عودا على الأسئلة التي طرقت رؤوسنا في البداية، فإن علاقة الأمة الفيلية باللغة القومية، لم تعد كافية لتشكل ملامح هويتهم، فالإنتماء القومي ضاق كثيرا، ومفهومها تقلص الى أدنى حدوده، ولم يعد العالم إلا قرية صغيرة، وبانت الكرة الأرضية على حقيقتها، جرم سماوي صغير جدا، وجدنا أنفسنا عليه بإرادة ليست إرادتنا، بل أن إرادة كبرى هي التي وضعتنا هنا على الأرض، مثلما وضعت غيرنا على غير أرضين..!
ولذلك فإننا لم نعد بحاجة؛ للإجابة على السؤال الأول من أسئلة المفهوم، وصار لزاما علينا أن نبحث في مثارد أخرى للمفهوم الهوياتي..
وكلما ضاقت مفاهيم اللغة والقومية، فإننا مجبرين الى أن نبحث في خلفيات الأرض والهوية الدينية، وفي أبعادها التاريخية والثقافية والسياسية..لذلك فإن الحديث عن هوية الأمة الفيلية؛ ربطا بهويتها الدينية مقنع، بلحاظ العوامل والخلفيات المشار إليها..
اليوم ليس من الترف الفكري أو التطرف العقلي، أن نتحدث عن هوية أريد لها أن تغيب، لأسباب تتعلق بإرادات الحكام المتغلبين على الدولة العراقية، من أصحاب الهويات الأخرى طيلة القرن العشرين، وفي مقدمتهم البعثيين والصداميين، هؤلاء الذين وجدوا أن هوية الفيليين الشيعية، وسكنهم على أرض هي تخوم إيران الدولة الإسلامية الشيعية، يمثل نقيضا صارخا لإنغلاقهم القومي، ولذلك سعوا لإبادة الفيليين وإلغاء وجودهم وتغييبهم كأمة..
في هذا الصدد ألتغييبي، فإن الأمة الفيلية هوية متكاملة بنيت تراكميا، تأريخيا وسياسيا ومجتمعيا..والمجتمع الفيلي مجتمع متكامل جدا، يمكن تمييزه عن باقي المجتمعات، وإن كان خاضعا بحد ذاته لإستقطابات الثابت والمتحول، لكن الثابت الأكبر والغير قابل للتحويل فيه، هو أنهم أمة لا يمكن تغييبها أبدا، مهما تمنطق المتمنطقين، أمثال النكرة الذي ظهر على قناة دجلة يوم 14/3/2019، والمدعو رعد هاشم كاظم، الذي حاول النيل من عراقية الفيليين وعراقتهم..
نفهم الحياة إذا تطلعنا إلى الوراء..لكننا لا نستطيع أن نحيا إلاّ إذا تطلعنا إلى أمام..!
...................
https://telegram.me/buratha