طيب العراقي
تجارب التحشيد أسلوب مارسه شعبنا من أزمنة سحيقة، والرقم والألواح الطينية المكتشفة في آثارنا، حوت وثائق مذهلة في هذا الصدد، والى وقت قريب، كان سكان الوسط يذهبون الى الجنوب لجني المحاصل الزراعية التي تنضج في الجنوب قبل الوسط، وحينما يحين الحصاد في الوسط يصعد سكان الجنوب الى الوسط، وهكذا يصعد أهل الوسط والجنوب لاحقا الى الشمال، التحشيد تحول الى منهج للعمل الدائم لدى العراقيين، والوقت حان لتكرار التجارب في إعادة الإعمار.
عملية إعادة إعمار البصرة مهمة وطنية كبرى، فهي ليست من سنخ العمليات التقليدية، كما أنها تمثل تحد كبير، يجب أن نخوض غماره، بكل ما أوتينا من طاقات وإمكانات، حتى لا نواجه الخيبة المرة، وحتى لا تتحول تلك العملية الى "هبَّة"، ينتهي زخمها بمجرد الدفقة الأولى.
تجميع الطاقات والأمكانات، وتهيئة الموارد الفنية والبشرية؛ اللازمة للنجاح أمر حتمي، ومع أنه لا مناص من اللجوء الى ألأساليب التقليدية، بإحالة الأعمال الى شركات مقاولات متخصصة، إلا أن الجسم الرئيسي للأعمال، يجب أن يناط بالجهاز الحكومي الذي يمتلك إمكانات فنية وبشرية راكدة، أصيبت بداء الكسل والخمول، لأنها قد ضمنت تقاضيها أجورها الشهرية، حتى لو لم يناط بها عمل.
أجهزة ومؤسسات الدولة تمتلك آلاف المكائن والمعدات الإنشائية، ومعامل ضخمة للكونكريت الجاهز والأسفلت ومكائن التبليط، وقوالب صب أرصفة الشوارع الميكانيكية، ومعدات تكسير الحصى وغسل الرمل، وعشرات الآلاف من سيارات الحمل، والسيارات التخصصية، والحفارات والبلدوزرات والترنبولات، ومكائن التعديل والتسوية والحدل، والمولدات ومضخات المياه، وغيرها من الأنواع، ومعظمها معطل أو عاطل بسبب عدم الإستخدام، هذه المكائن والآلات والمعدات وسائقيها ومشغليها، يتعين أن ينفظ عنها الغبار، ويزال عنها الصدأ، وترسل الى البصرة لتدور محركاتها هناك، في خدمة عملية الإعمار.
من البديهي أن يصار الى تنظيم هذا النشاط الكبير، في إطار الدعم اللوجستي الوطني، ويجب وبشكل لا لبس فيه، أن تقدم مؤسسات الدولة وشركات القطاع العام، كل ما لديها من آلات ومعدات ومكائن وسيارات، وأن تتخلى عن عقلية الإستحواذ والتملك الزائف، فهذه الآلات والمؤسسات الحكومية التي تملكها، كلها ملك للشعب العراقي أولا وأخيرا، ويجب أن تسخر في خدمته وخدمة إحتياجاته والبصرة أولى..!
لا يجب أن يذهب المكلف بالإشراف على إعمار البصرة الى هناك، إلا ومعه قوافل من هذه المعدات، فهي سلاحه في معركة إعادة الإعمار، ومعها مشغليها ومهندسيها وفنييها ومصلحيها، هم مقاتليه المجاهدين، الذين سيجقق بهم الإنتصار الناجز على خراب البصرة.
بشريا وفنيا أيضا؛ لنا في تجربة الحشد الشعبي بإستخدام إمكاناته على حداثة تكوينه، مثالا رائعا لتسخير إمكانات الدولة، لوضع حلول لكثير من المشكلات المتعلقة بالإعمار والحالات الطارئة، ويمكن تشكيل "قيادة" ميدانية للجهد الوطني لإعادة الإعمار في البصرة، يكون الحشد الشعبي حاديها، نظرا لتجربته التي أثبتت فاعليتها ونجاحها، في أكثر من مكان من العراق.
...................
https://telegram.me/buratha