طيب العراقي
في ليل 26 من كانون الاول/ الماضي زار الرئيس الأميركي ترامب العراق خِلسة، في حينها أدلى ترامب بعدة تعليقات عن تلك الزيارة، ومنها إنه تم اطفاء كافة أنوار الطائرة التي كانت تقله مع زوجته ميلانيا، ومستشار الأمن القومي بولتون، وعدد قليل من مساعديه، وأن مشاعر الاضطراب والقلق كانت هي السائدة. قائلا "كان لدي مخاوف حول مؤسسة الرئاسة، وليس فيما يتعلق بي شخصياً، ومخاوف حول السيدة الأولى، ومن المحزن جداً عندما تنفق سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط، ثم يتطلب الذهاب إلى هناك كل هذه السرية الهائلة والطائرات حولك، وأعظم المعدات في العالم، وان تفعل كل شيء حتى تدخل سالماً!
استغرقت زيارة ترامب للعراق احدى عشرة ساعة، تخللها إطفاء الأنوار بشكل كامل وإغلاق لستائر النوافذ، ورافقت طائرته طائرات حربية لحمايته.
منذ أحداث 11سبتمبر 2001، درج الرؤساء الأميركيون على تفقد قوات بلادهم المنتشرة والمرابطة في مناطق الحروب والصراعات، كما أن جميع الرؤساء الأميركيين، قاموا بزيارة العراق وتفقد قواتهم فيه، بعد غزو بلادهم للعراق عام 2003، بنفس الطريقة التي جاء بها ترامب، فالرئيس الأسبق بوش، زار العراق بعد الغزو، تحت جنح الظلام وبصورة خاطفة، وكذلك فعل أوباما عام 2009، وهناك عشرات إن لم يكن مئات المسؤولين الأميركيين، زاروا العراق ودولا أخرى بطرق تبدو أقرب الى أساليب اللصوص.
في زيارة ترامب كثير من المفارقات، فهو يتحدث عن احترام سيادة الدول واستقلالها، بيد أنه يفعل عكس ذلك تماما، ولو كان صادقاً في مدعياته، لأعلن عن زيارته مسبقاً، ولحضر الى العراق، وفق السياقات البرتوكولية المعمول بها، لا أن يأتي خلسة وتحت جنح الظلام، ويطفئ أنوار طائرته الخاصة، ويسدل ستائر نوافذها، ترافقها عشرات الطائرات، ويغادر بنفس الطريقة التى جاء بها بعد سويعات قلائل، دون أن يلتقي بأحد، سوى بعض جنوده القابعين في قاعدة عسكرية بعمق الصحراء.
كل تلك الصور لا بد من استحضارها، في زيارة الرئيس الايراني روحاني الى العراق، الذي بقي فيه ثلاثة أيام بلياليها، زار خلالها النجف الأشرف، ملتقيا بالمرجعية الدينية العليا، ثم يعود الى بغداد، ملتقيا بالفعاليات ألأجتماعية والدينية والشعبية، التي رحبت به بعواطف غامرة على الطريقة العراقية، لأنه لم يأت خلسة تحت جنح الظلام، ولم يطفئ أنوار طائرته الخاصة خشية على حياته وحياة مرافقيه المقربين، ولن يغادر بعد ساعات قلائل، ولن يلتقي بعدد من الجنود الايرانيين في قاعدة عسكرية نائية، ولن يتحسر على انفاق الترليونات في العراق دون جدوى.
أتى روحاني في وضح النهار، وبرفقته عشرات الوزراء والمستشارين والمساعدين والخبراء ووفد كبير من رجال الأعمال، وحطت طائرته وسط بغداد، وكان في استقباله نظيره الرئيس برهم صالح، وأجرى، مباحثات معمقة وتفصيلية، مع اعضاء الحكومة العراقية وكبار الساسة، ووقع أكثر من 20 إتفاقية تخدم العلاقات بين البلدين الجارين وشعبيهما، فيما خرج ترامب من العراق مشيعا باللعنات، وبوجه "مسخم" كما يقول المثل العراقي.
الرئيس روحاني أتى الى العراق من الباب لا من الشباك! ، كرئيس دولة تحرص على ترجمة شعاراتها الى أفعال، ولا تكتفي بالادعاءات والاقوال، وتحترم الآخرين مثلما تحترم ذاتها، وتلتزم بالضوابط والسياقات والاعراف السياسية والدبلوماسية، على العكس من ترامب واسلافه، الذين كانوا يأتون سرا وسريعا وخلسة.
..................
https://telegram.me/buratha