علي الطويل
عندما نتطلع صفحات التاريخ المعاصر نجد ان محطات التاريخ تتوقف عند بعض الشخصيات التي سجلت لمحات بارزة ومواقف عملاقة لايمكن الا ان تتوقف عندها ، ومن هذه الشخصيات هي شخصية الشهيد محمد باقر الحكيم ، ذلك الرجل الثائر الذي افنى حياته من اجل الاسلام وكرامة الانسان الذي خلقه الله حرا ، فكرس جهده وفكره وتفاصيل حياته كلها بالعمل من اجل قيم السماء ومن اجل رفعة وعلو وطنه وابناء وطنه.
ارتمى الشهيد الحكيم منذ نعومة اظفاره في حضن الجهاد وخط الثورة على الظالمين والطغات ، وكان سندا وعضدا مفدى لشعلة الخط الجهادي الذي قاده وخطط له الشهيد محمد باقر الصدر ( رض) ، فكان عضدا حقيقيا لاستاذه الشهيد ، فلم يوقفه طغيان الطغات ولم ترهبه اساليبهم القاسية والظالمة والماكرة ولم يخشاها يوما رغم انه تجرع منها الكثير ، فعندما اعتقلته السلطات الصدامية الظالمه لم يمنعهم التاريخ العائلي للشهيد والمكانة الاجتماعية والدينية الكبيرة التي يحضى بها الشهيد ، من ان يسلطوا عليه شتى انواع التعذيب.
لكن الصبر وعظيم الهدف جعله يتحمل كل تلك الاساليب والممارسات الظالمة لانه اساسا سخر حياته كمشروع جهادي ومشروع استشهادي في هذا الدرب وهذه المسيرة ، وبعد هجرته الى الجمهورية اتبع وصية الامام الشهيد الصدر ( ذوبوا في الامام الخميني كما ذاب هو في الاسلام) ، فكما كان جنديا في مسيرة الشهيد الصدر وعضدا مفدى له، اصبح جنديا في خط الثورة الاسلامية التي قادها الامام الخميني ( رض) بعد استشهاد الشهيد الصدر ( رض) .
كانت ثمرة سعيه وجهاده تاسيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق ليكون محطة وملتقى لكل المجاهدين وخيمة لكل المقارعين للطغمة الحاكمة في العراق ، فكانت قيادته للمجلس الاعلى نموذجا فريدا في طريقتها ، فكان قائد حكيم واب عطوف ومخطط بارع.
لم تكن قيادته للمجلس الاعلى قيادة فردية كما يحصل لدى الكثير من الحركات والاحزاب ، بل كانت قيادته جماعية ذات شورى وتشاور في كل الامور والقرارات التي كانت يراد لها ان تتخذ.
لم يحصل يوما ان اتخذ الشهيد قراراته بنفسه حتى في ابسط الاشياء كان يشاور رفاق دربه ، فخلق بذلك نموذجا رائعا يحتذى به في القيادة ، واراد ذلك ان يسود في حكم العراق بعد سقوط الطاغية وزوال حكمه ، وسعى كثيرا وبذل الجهد الكبير لاجل ان يحكم العراق باسلوب الديمقراطية وترك الخيار للشعب في اختيار من يحكمه وان يكون الحكم جماعيا يشترك فيه كل اطياف الشعب العراقي ، رغم ارادة المحتلين المختلفة ومعارضتهم حيث كانت مساعيهم لتنصيب حاكم جاهز كما حصل بعد ثورة العشرين .
الا الشهيد الحكيم ومعه المرجعية الدينية التي ساندها وتبنى مطالبها ، تمكن من ان يفرض ذلك على ارادة الاحتلال الامريكي المخالفة ، فقد كان الشهيد الحكيم قد وضع نفسه مرة اخرى جنديا في خدمة المرجعية منفذا وصاياها ونصائحها ، فقد كانت المرجعية الدينية بالنسبة للفكر الذي يحمله الشهيد الحكيم دين نتعبد به ، اذا لايمكن تجاوزها او عبور نصائحها او تجنب قرارتها لما تتمتع به المرجعية من مكانة ومركز اعتباري وديني في المجتمع العراقي والعالم.
رغم ان الشهيد الحكيم كان من عائلة مرجعية قائدة وذو ومكانة علمية وجهادية كبيرة ، الا انه كان يكرر وباستمرار ( اقبلوا ايادي جميع المراجع واحدا واحدا ) انما هو بذلك يرشد العراقيين الا مكامن العزة والطريق الصحيح للخلاص من الظلم الذي تعاقب على مر السنين والايام ، الا ان الاعداء لم يمهلوه كثيرا فارادوا اطفاء هذه الشعلة التي فطنوا الى عظيم خطرها على مشروعهم ومخططهم الذي رسموه للعراق ليكون منطلقا لرسم خارطة المنطقة من جديد ، فعاجلوه بالقتل الذي طلبه طول مسيرة حياته الجهادية وتمنى ان يكون خاتمة عمره الشريف.
انه موت العزة انه ختام الجهاد ، فكان يوم واحد رجب في يوم الجمعة وبعد صلاتها ، فكان اخر حياته عبادة وطاعة لله وسعيا في مرضاته ، فاستحق بذلك تلك المكانة الرفيعة وهذا الجاه عند الله جل وعلا ، فسلام على شهيد المحراب يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا
https://telegram.me/buratha