قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
لا تقف العلمانية موقفا حياديا من الدين قط، وهي أيضا لا تعني؛ فصل الدين عن السياسة كما هو رائج، بل أنها تعني الضد لكل ما هو ديني.
مارست العلمانية ذلك على الصعيدين النظري والعملي، وتعج كتابات وممارسات العلمانيين؛ بالإزدراء لكل ما هو ديني.
كمال أتاتورك؛ باني تركيا الحديثة كما يُطلق عليه في بلاده، وهو الضابط الذي تسلم زمام الأمور، بعد إستسلام تركيا للغرب في الحرب العالمية الأولى، وزوال الدولة العثمانية من خارطة الوجود، قام بسلسلة من التصرفات التي تعادي كل ما هو ديني.
في البدء؛ استعان بالرموز الدينية، وعلماء الدين في حشد الناس للقتال معه، وانهالت عليه برقيات التهاني من البلدان الإسلامية، وتنبه إليه الغرب وكتب عنه الإعلام هناك؛ ما زاده شهرة وتأثيرا..أتاتورك كان من تلامذة الغرب العلماني النجباء، وكان من أعضاء جمعية الأتحاد والترقي التركية العلمانية، التي حضيت برعاية غربية ماسونية، ونجحت الجمعية في أهدافها، وألغت الخلافة العثمانية، وعزلت السلطان عبد الحميد من منصبه؛ وأعلنت الجمهورية التركية عام 1923برئاسة أتاتورك.
أدار أتاتورك ورهطه ظهورهم للرموز الدينية، وبعد إعلان الجمهورية في تركيا، روج أن الإسلام سبب إنحطاط تركيا، وليس الحكام العثمانيين الفاسدين، وفي عام 1925 منع رفع الأذان في المساجد، وأغلق مسجد أيا صوفيا، الذي يعد رمزًا لفتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح، ثم أعلن أتاتورك تركيا دولةعلمانية، غربية الطابع والقوانين والهوى.
في نفس العام؛ قررت الحكومة التركية الجديدة بزعامته، تحويل القرآن الكريم إلى اللغة التركية، وقراءته بها بدلًا من العربي، ثم أمر بإلغاء إستخدام الحروف العربية في كتابة اللغة التركية، والقرآن أيضا!
ثم أغلق أعدادا كبيرة من المساجد، وغير من إستخداماتها العبادية، الى أستخدامات أخرى، في معظمها كان يقصد تحقير الدين أولا، ثم محوه ثانيا، فقد حول بعضها الى مخازن للبضاعة، ومواخير للدعارة والرذيلة، وحانات خمور.
ما لبث أن منع الحجاب قسرا، وأجبر الفتيات على لبس الملابس الغربية، ثم ألغى الإحتفال بعيدي الفطر والأضحى، وقيد الحج الى البيت الحرام بشكل يشبه المنع، كما غير عطلة الأسبوع من الجمعة الى الأحد.
على الصعيد الشخصي؛ قام أتاتورك الذي كان من أصول متواضعة، حيث كان والده يعمل حارسا في الجمرك، ووالدته "زبيدة هانم" هي بنت لعائلة ريفية، بشطب الجزء الأول من أسمه (مصطفى كمال علي رضاء ) وحوله الى (كمال أَتَاتُوركُ ) وتعني:أَبُ الأَتْرَاكِ، وأخيرا أوصى أن لا يُصلى عليه بعد موته..!
مفهوم العلمانية في تركيا، لا يحيد دور الدين أو يفصله عن الدولة كما هو في الغرب، لكنه يمضي أبعد من ذلك؛ بترويض الناس على مفهوم أن الدين ممارسة سلبية، لا يجب أن تمتد آثارها في الحياة العامة.
كلام قبل السلام: هنا في العراق، تجري عملية خبيثة لعلمنة الدولة، تحت عنوان التجديد والحداثة والتحديث، أنغمست في هذه العملية أطراف عديدة، بعضها تنفذ أجندات خارجية، وأخرى جاءت من قاع المجتمع، وبعضها جهات سياسية نافذة، مشاركة بالعملية السياسية بعناوين إسلامية، بل أن بعضهم قوى سياسية شيعية، لطالما صدعت رؤوسنا؛ باحاديث عن القيم والمباديء الإسلامية، لكن أحاديثها لم تكن سوى وسيلة لإرتقاء آهاب السلطة، بالطريقة التي أرتقاها أتاتورك!
سلام...
https://telegram.me/buratha