طيب العراقي
يحيلنا التعريف المعجمي لمفهوم الإثنية في الغالب؛ إلى مجموعة بشرية ثابتة في التاريخ والزمان، لها أصول وتقاليد مشتركة، وتمتلك لغة واحدة ومرجعية ثقافية موحدة، وسمات مورفولوجية متقاربة، إضافة إلى تقاسمها لتصورات ميثولوجية، تتعلق بالقرابة والانتماء والذاكرة الجماعية للأفراد.
لو أعدنا قراءة هذا التعريف الأكاديمي، والذي تمت صياغته بمهار ةفائقة، ودقة علمية متناهية، لأكتشفنا بيسر، أنه ينطبق بشكل تام على الفيليين، فهم "مجموعة" بشرية محددة الملامح، ثابتة الوجود تأريخيا في منطقة محددة جغرافيا، هي منطقة شرق دجلة الواقعة على طول يزيد عن 900 كيلومتر، في منطقة كانت تسمى تأريخيا بـ"أمارة بشتكوه"، والتي بقيت قائمة لغاية عام 1927، وتم تفتيتها وفقا لمعاهدة سايكس بيكو، التي اعقبت الحرب العالمية الأولى، ليصبح جزءا منها تابع لأيران وجزء آخر في العراق؛ هذا من الناحية الـأريخية والجغرافية.
من حيث الأصول والتقاليد المشتركة، فإن الفيليين يمثلون نسيجا أجتماعيا؛ مميزا عن غيره من الأنسجة الأجتماعية، سواء في العراق أو أيران، وتستطيع التعرف على الفيليين بسهولة، من ملامحهم وتصرفاتهم وعاداتهم، وتقاليدهم وأسلوب حياتهم الخاص بهم، والذي يعتبر طابعا وملمحا يميزهم، عن ما سواهم من أقوام تعيش معهم أو قربهم، حتى في المناطق ذات الإختلاط الشديد.
الفيلييون لهم لغتهم الخاصة بهم، وباتفاق الباحثين تعتبر الفيلية لغة مستقلة تماماً، واللغة اللورية في أيلام ولورستان في ايران، مازالت حية وتمارس كالمعتاد بين الأهالي، والحال مختلف بعض الشيء في لورستان الغربية، اي في مناطق شرق دجلة في العراق الحالي، وهنالك تشابهاً وتداخلات كثيرة بين الفيلية ولغة (خانقين والكلهور)، بحيث يصح القول تقريباً بوجود لغة فيلية مشاركة بلكنات مختلفة، لكنها مفهومة من سكان هذه المناطق.
لكون العراق أصبح المركز الرئيسي للخلافة، فأصبحت اللغة العربية هي السائدة، وضاعت لورستان الغربية، وبقت قسم يسير منها على حدود ايران الحالية، من أطراف مدينتي الكوت وديالى، بسبب شدة تمازج الفيليين مع العرب، وجرى ذلك لأنهم ذابوا في العقيدة الأسلامية والعرب، وزاد هذا التعرب عندما تشيع اللور الفيليين، وأندكوا بالتشيع إندكاكا فاق سواهم من الشيعة، مع ما يتطلب ذلك من إستخدام اللغة العربية في الشعائر الدينية.
منذ ترسيم الحدود بين إيران والعراق عام 1929، انقسم الفيليون رسمياً إلى فيليين عراقيين، وفيليين إيرانيين، وهذا أعطى للفيلية العراقية سمات خاصة تميزها عن الفيلية الإيرانية. وهذه السمات حددتها طبيعة حياة الفيليين العراقيين ومعايشتهم للعرب؛ واهم صفاتها أنها أصبحت في أكثر المناطق، ولاسيما الوسط والجنوب للاستهلاك الحياتي فقط دون الأدبي والعلمي، وهذا أفقدها الكثير من مفرداتها وأساليبها ذات الطابع الكمالي والجمالي. وبسبب الامتزاج الحياتي مع العرب، تركت الفيلية كلمات وعبارات فيلية كثيرة حلت محلها كلمات وعبارات عربية.
مع ذلك حافظ الفيليين على هويتهم في مناطق شرق دجلة، وما تزال تسمعهم يتحدثون بلغتهم اللذيذة، في مدن مندلي وزرباطية وقزانية وبدرة وجصان وخانقين وجلولاء والسعدية وأبي صيدا، وغيرها من حوظرهم.
في الاعوام الاخيرة؛ جرت محاولات لوضع أبجدية فيلية، بالاعتماد على الحروف العربية، منها محاولات الدكتور أسماعيل قمندار، كذلك المهندسة (بتول شير اميري ملكشاهي) التي قامت وبمساعدة مجموعة من الاساتذه الفيليين، ومنهم الدكتور فؤاد جواد وعبد الواحد الفيلي، بوضع أبجدية للَّهجة الفيلية، وقد قامت هذه السيدة بنشر أبحاثها كدروس في اللغة الفيلية عبر مواقع الانترنت.
القضية الفيلية لا يمكن أن تحل حلا عادلا، دون أن يستعيد الفيليين حقوقهم الثقافية، وأول هذه الحقوق حقهم بالتحدث بلغتهم، وحق إستخدامها الرسمي في مناطقهم، وحق نشر ثقافتهم وكتاباتهم بهذه اللغة، ومن حقهم أن تعتمد هذه اللغة رسميا، في مؤسسات تعليمية وثقافية خاصة بهم، مدعومة وممولة من الحكومة المركزية في بغداد، وأن يشرع قانونبذلك من قبل مجلس النواب.
على صعيد إعادة ترميم ثقافة الأمةالفيلية، ندعو لأن يكون للمثقفين الفيليين، تجمعات ومؤسسات مدنية ثقافية، تعمل على نشر الثقافة الفيلية، وإعادة أمجاد لغتها، وأن يحظى ذلك بدعم وزارة الثقافة الأتحادية، بأن تؤسس فيها دائرة مختصة بالثقافة الفيلية، لتبرهن الحكومة العراقية على حسن نيتها تجاه الفيليين، وتعطي الدليل على أنها تعمل على حل عادل لقضيتهم التي طال عليها الزمن.
......................
https://telegram.me/buratha