قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
كناتج عرضي مثلما تنتج المصانع، أنتجت التحولات الوطنية الكبرى والأزمات السياسية والفتن والمشاكل الداخلية.. المحللين السياسيين، هؤلاء قد اقتحموا فجأة في حياتنا، مثلما إقتحمتنا القنوات الفضائية، ويبدو أنهما توأمان، فالقنوات الفضائية لم نكن نعرفها في زمن القحط ألصدامي، ولكنها بعد زواله اقتحمت حياتنا.
كذلك المحللين السياسيين لم نكن بحاجة إليهم في ذلك الزمن، لأن الأمور لم تكن بحاجة إلى تحليل، ثم من كان بمقدوره أن يقول للسبع أن حلقك نتن الرائحة؟! ولكنهم اليوم يقتحمون حياتنا بالتوافق والتآزر مع القنوات الفضائية، وكأن بينهما حلفا وآصرة توافقية؛ مثلما يقول علماء الكيمياء التحليلية!
نعود إلى المحللين الذين ظهر فيضهم، وسطعت نواصيهم في القنوات الفضائية، وانبروا لـ"فكفكة" الشأن العراقي، ومتعلقاته من الفتن والحوادث الإرهابية، وكأن أحدهم عليم خبير بكل شاردة وواردة.
لقد حللوا وجمعوا وطرحوا وقسموا وضربوا، وطرحوا أحاديث بما يعلمونه ولا يعلمونه، لكنك تكتشف فيما يطرحون أنهم لم ينسوا مسك العصى من الوسط!
كلامهم عائم غائم، ومعظمهم إن لم يكن كلهم؛ يتحدث بلهجة واحدة وبوجهة نظر واحدة، وتكتشف ـ بعد إصابتك بالصداع ـ مدى التناقض بين وظيفة المحلل السياسي الحقيقي، وبين ما يطرحون من فراغ كلامي و"تسفيط حجي" أقضوا به مضاجعنا، أكثر مما أقضته الحوادث والتغيرات التي مرت بنا..
وأستمع إلى أحدهم وستصاب بالرعب، وكأن القيامة قد قامت، وأن الآزفة أزفت، وأن القارعة قد قرعت، وأن الحاقة قد حقت..فقد راسلني صديق عراقي مقيم في أستراليا مستفسرا عمن بقي حيا من معارفنا!
عندما قلت له أن الأوضاع عندنا مقبولة إن لم تكن طبيعية، وأن ما يحدث هنا هو أقل مما يحدث في نيويورك مثلا، قال لي لعنة الله على المحلل السياسي "فلان"، فقد أرعبني وجعلني أعتقد أن العراقيين "خلصوا"؛ أي ماتوا عن بكرة أبيهم!...
كل هذا في كفة، ولكن الكفة الأخرى هي ثقتهم الزائفة التي يظهرونها، وبما يوحي أن ما يقولونه كلام منزل، ولا يمكن أن يأتي إلا ممن عنده أم الكتاب وخفاياه...
غريب الأمر أن أحدهم ظهر في فضائية تبث من القاهرة بعنوان عراقي وهو يعلك العلكة... تماما مثلما يلوك الكلام!..
كلام قبل السلام: تستغرق مناقشة المسائل التافهة وقتا أطول، لأن بعضنا يعرف عنها أكثر مما يعرفه عن المسائل الهامة..!
سلام...
https://telegram.me/buratha