طيب العراقي
التصالح يعني أن نتفق على خط التعايش: الذي تقويه المصالح المشتركة، والمصالحة تعني أن المصلحة المشتركة أساس التعايش، ولا يمكن تكريس ثقافة التعايش، إلا برفض مطلق لإدعاء أي طرف، احتكاره الحقيقة وحده.
لن يتم التكريس أيضا، إلا بالتصالح مع ذواتنا أولا، بمعنى أن نخلصها؛ من تصورات وأوهام التفوق على الآخر، أيا كان هذا الآخر.
فيما يخصنا كغراقيين نسبة كبيرة منهم مسلمين، فأنه مع كون ديننا يؤكد على حقيقة نؤمن بها قطعيا، تقول أن "الدين عند الله الإسلام"، كما ورد في النص القرآني، إلا أن هذه الحقيقة رافقتها توضيحات لا لبس فيها، تؤكد بشكل صارم حرية العقيدة لجميع بني البشر، وفق لنصوص إلهية قرآنية.
النصوص القرآنيةالتي لا جدال فيها، تقول: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، وهذا يصح فيما أذا لم يقف الآخرين، عائقاً أمام الدين الإسلامي أو يضطهدوا أتباعه.
نشير أيضا إلى أن الشريعة الإسلامية، ترى أن كرامة الإنسان مرتبطة بآدميته، وتسبق ارتباطه بأي دين أو عقيدة "ولقد كرمنا بني آدم..."، أي أن الإنسان في نظر الإسلام مكرم بذاته ولذاته، وأي انتهاك لكرامته في هذه الحالة؛ مهما كانت عقيدته الدينية، يعد انتهاكا لشريعة الإسلام، التي كفلت للبشر كرامتهم بصفتهم الإنسانية.
لذلك فلا مكان في العقيدة الإسلامية لدعاوى التكفير، ومن يؤمن بهذه الدعاوى خارج عنا، ويتوجب عليه أن يعود إلى فطرة الإسلام، التي هي فطرة الإنسان التي فطره جل في علاه عليها، هي فطرة التسامح والتعايش البناء الخلاق، لنعمر الأرض، وهي فطرة ترفعنا فوق أهوائنا الضيقة ومشاريعنا الصغيرة.
إذا استطعنا تحقيق ذلك بصدق وحسن نية، حينها فقط سنكون قادرين على الحديث، عن المصالحة الكبرى مع غيرنا، وعن إتمام مشروعها، لأن نفوسنا ستكون قيد تهيأت لتقبل الحقيقة، بغض النظر عن مصدرها، ومدى قربه أو بعده عنا، ورحم الله االشافعي عندما قال: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
بالرغم من حجم جراحاتنا وعمقها، وبالرغم من كون دمائنا، ما زالت نازفة من تلك الجروح الغائرة، لكننا نتحدث دوما عن التصالح كأساس لتعايشنا كبشر.
لكن للتصالح أسسه وأصوله، فمع من يقتضي أن نتصالح؛ ووفقا لأي شروط؛ وكيف؟!
يعني هل يصح أن نتصالح؛ مع الذين ملأوا فيافي العراق مقابر جماعية؟! أم مع الذين أبادوا شعبنا بالكيمياوي في حلبجة الشهيدة؟! أم مع لذين قتلوا ثلاثة وعشرين الف شاب فيلي، عام 1980 في يوم واحد؟! وهل يمكننا أن ننسى سحق شعب الجنوب في عام 1991 في الأنتفاضة الشعبانية؟! هل أمحيت أقبية الأمن العامة، وغرف المخابرات الحمراء من ذاكرتنا، وهل يمحيها الإنصاف والعدالة، أم الآعيب الساسة وإتفاقات تحت الطاولة؟! وهل وهل وهل الى آلاف المرات؟!
إذا تصالحنا مع البعثيين وتناسينا قيحهم وآثامهم، سيكون من السهل جدا، أن تصالح مع تنظيم داعش الأرهابي، لأن داعش تنظيم بعثي بصناعة أمريكية، كما هو واضح من وقائع الأيام، ودلالات الأساليب والمسالك، بل وحتى الأشخاص والبيئات..!
https://telegram.me/buratha