قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
حينما أجلس أمام جهاز الحاسوب الذي أعمل عليه؛ لأكتب عمودي اليومي هذا، لا أجد مناصا من الأعتراف بقوة المكان، الذي أنا فيه ومنتم اليه، كما لا يمكنني إغفال سطوة الزمان؛ الذي أنا وإياكم وجدنا أنفسنا فيه، بإرادة آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا..!
أنا الآن في عاصمة بلد أسمه "العراق"، بغداد التي تحتل المرتبة20 عربيأ و229 عالميأ، أي الأخيرة في التصنيف العالمي كأسوأ عاصمة للعيش، حيث عواصم مثل صنعاء ودمشق، ونواكشوط والخرطوم وطرابلس؛ تتقدم في هذا التصنيف المبني على أسس علمية، ومعايير تتعلق بالأمن والبنى التحتية، والرفاهية والصحة والتعليم، على بغداد أكبر مدينة عراقية وربما عربية، في السنة الثامنة عشرة من الألفية الميلادية الثالثة.
على مسافة ليست بعيدة؛ عن المكان الذي أجلس فيه، يوجد موقع "عكركوف" الأثري، الذي يشهد على وجود الإنسان، قبل آلاف سحيقة من السنين قبل الميلاد.
في ذات البقعة التي أجلس فيها الآن، لا يمكنني معرفة؛ كم هو عدد الذين جلسوا فيها قبلي، وفعلوا ما فعلوا، قبل أن ينتهوا إلى التواري؛ خلف ما يزيد عن 21 ألف سنة قبل الميلاد، وهي أقدم حقبة معروفة، من تاريخ وجود الإنسان في العالم.
أنا الآن هنا؛ بمعية ما يقارب 35 مليون عراقي وعراقية حي، وملايين لا تحصى من القبور، أجلس متمتع بقوة المكان والزمان، وريثا لهذا العمق التاريخي الحضاري والثقافي؛ الضارب في أقدم منابع التاريخ، ولقد إنضافت هنا وعلى مر العصور، مجموعات بشرية أتت من كل بقاع العالم، وانصهرت فيما بينها، لتكون النتيجة هذا الشعب الذي أنتمي وتنتمون إليه.
ينبئني التاريخ أن مكاني هذا؛ كان موطنا لأقدم المجموعات البشرية، التي عمرت في القديم بلاد مابين النهرين، وتقول الحفريات والتنقيبات الآثارية؛ أن أدوات الإنسان في العصور القديمة، وتقويمه الزمني وعقائده الدينية، و طقوس دفن الأموات، متطابقة مع ما هو سائد اليوم وللأسف الشديد، فتاريخ شعبي لم يتم تلقيني إياه في المدرسة، ولا في الجامعة، ولا عبر وسائل الإعلام، على هذا النحو..
كل ما قيل لي؛ هو أن العراق بلد "عربي"، وأن تاريخه لم يبدأ إلا مع رجل، جاء من شبه جزيرة العرب، إسمه سعد بن أبي وقاص، أما الذين كانوا هنا قبل هذا التاريخ، فهم ببساطة فص ملح وذاب، في بحر الفتوحات الأسلامية العربية.
الحقيقة ليست هكذا قط، فالعراقيون هم هم منذ الأزل، و(شكو ماكو) و(ﭼا)، و(صماخ) و(هاون) و(جاون)، و(فالة) و(مشحوف) و(بلم)، و(كضني) و(طركاعة)، و(مسـﮔوف) و(بوري) و(بارية) و(صريفة)، وأكثر من خمسة عشر ألف كلمة، متداولة في العامية العراقية،هي كلمات سومرية مازالت مستعملة لغاية اليوم خصوصا في جنوب العراق...
الحقيقة الأهم هي أن "معظم"؛ الذين يعيشون في جنوب العراق ووسطه على الأقل، هم سومريون بالفطرة، وبالأصل والسلوك والتقاليد والثقافة، وإن لم يكن بعضهم من أعراق سومرية!
كلام قبل السلام: أنت أيضا سومري سومري سومري؛ حتى إنقطاع النفس، رغم "خشم" ساطع الحصري، وميشيل عفلق، وجامعة الدول العربية، ومحمد بن تميم، ومحمد بن زايد، ومحمد بن سلمان..!
سلام..
https://telegram.me/buratha