قاسم العجرش
شاع في القاموس السياسي تعبير"الآخر"، وهو تعبير يعنى بوصف المخالف؛ أو المغاير سياسيا أو مكوناتيا..وبات هذا التعبير مصطلحا يتقافز على ألسن الساسة، وتسرب الى وسائل الإعلام، حتى اصبح من مستلزمات اي موضوع او مقال سياسي.
لكي نحدد الآخر السياسي عراقيا، علينا أن نتوصل الى معنى السياسة؛ وفقا للمفهوم العراقي السائد، لا وفقا للتصنيفات الأكاديمية، أو وفقا للعرف السائد.
السياسة عند غيرنا من الأمم؛ وسيلة لقيادة المجتمع لتحقيق أهداف، تفضي الى تحقيق توازن إجتماعي، أما أكاديميا؛ فالسياسة هي الإجراءات و الطرق المؤدية لاتخاذ قرارات؛ من أجل المجموعات والمجتمعات البشرية.
على الصعيد العملي؛ هي مجموعة التصرفات، التي تقوم بها جماعات مكلفة من المجتمع، تؤدي الى بناء الدولة بأطر تناسب المجتمع.
عراقيا؛، فإن للسياسة مفهوما يغاير كل المفاهيم ،التي تواضع عليها البشر وقبلوها، فالسياسة عندنا ليس فن الممكن، كما يشاع أو يتداول في بطون الكتب عالميا، ولا هي تصرفات تؤدي الى بناء دولة، ولا هي مجموعة الأجراءات التي أشرنا اليها آنفا، بل هي بأختصار مكثف فن "التغالب".
من يغلب من؟ هو المحور في العملية السياسية، والذي لا يقف في الصف الذي أقف فيه هو "آخر"، يتعين أن أتفوق عليه أو أغلبه.
هذا هو الآخر عراقيا، وأبحثوا في كل دفاتر الساسة، وسوف تفشلون حتما؛ في التوصل الى توصيف للآخر غير هذا، والتغالب يأخذ اشكالا عدة، تعمق "الآخرية" بشكل حاد.
إذن توصلنا الى توصيف للآخر السياسي، وتوصلنا أيضا لماذا وكيف؛ أكتسب هذا "الآخر" الصفة "الآخرية"، غير أن علينا أن نتوصل؛ الى سبب وقوفه على الضفة الأخرى من نهر السياسة.
نهر السياسة سادتي عندنا؛ ليس نهرا للمياه المطلقة بعرف أهل الشرع والدين، إذ أنه بالحقيقة؛ نهر لا تجري فيه إلا المياه الآسنة، لكنها على الرغم من "أسونيتها" مياه ثمينة، لأنها مياه المصالح.
لو كانت المصالح مرتبطة بالمصالح الوطنية؛ لقلنا ونعمَ الإرتباط، لكنها تعنى بالمصالح التي لا تتسع؛ إلا للفئة أو العشيرة أو العائلة أو الأسرة أو الذات، والأخيرة هي التي تحكم المشهد السياسي على الأعم الأغلب، هكذا كما ترون؛ فإن المصالح تشتد ضيقا كلما أقتربت من الذات، وكلما ضاقت زادت مساحات الصراع، وكلما زادت هذه المصالح وتجذرت، أكتسبت مزيدا من الأردية الشخصانية.
حينما تربط مصائر الجماعات بالأشخاص؛ الذين يغلبون مصالحهم الذاتية على مصالح الجماعات، لا ينتظر من هؤلاء مسلكا يخدم تلك الجماعات، وهم لن يديروا الأمور؛ إلا بما يؤدي لخدمة مصالحهم، وفي سبيل إتراع مصالحهم، فإنه لا شيء يمكن أن يكون قبالتها.
لذلك فهم يقفون دوما على الضفة الأخرى، ويصبحون "آخرا" بمنهجهم الأناني، وهو منهج ليس له أداة، إلا التغالب من وسيلة لتحقيق رغائبه..
إن التغالب هو صفة الآخر عندنا؛ وعقلية التغالب ليس فيها منطقة وسطى؛ ولا مساحات مشتركة، فهي لا تسعى إلا الى نتيجة واحدة، هي غلبة الآخر الواقف على الضفة المقابلة، وليس فيها إلا طرفين: غالب ومغلوب!
من هنا ينشأ الأختلاف؛ الذي يتحول الى خلاف يصعب إصلاحه..!
كلام قبل السلام: الآخر مرة يكون كرديا؛ يبتز الوطن بحديثه عن الإنفصال، ومرة سنيا يبحث عن سلطان زائل، ومرة شيعيا يبحث عن قيادة مفصلة على مقاسه..!
سلام..
https://telegram.me/buratha