قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
بعد أن إنثالوا عليه إنثيال الغنم، مبايعين وهو لها رافض، بقولته التي باتت واحدة من أكبر مقولات التاريخ، يا دنيا غري غيري.
أتخذ إبن أبي طالب عليه السلام، قرارا هو الأحكم المحكم، بين كل قراراته الصائبة دوما، فقد قرر نقل دولته الى العراق!
مع ما لهذا القرار من ألم نفسي، وهو يبتعد عن ريح الرسول صلواته تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعن البيت العتيق بمكة، الذي شق لولادته المباركة، فلقد وجد انه إزاء مهمة تاريخية فوق العادة، ليؤسس شيئا أسمه دولة! وهو أمر ما كان يعرفه العرب، الذين اعتادوا سلطة القبيلة ولا شيء يعلو، فذهب الى حيث الذين يعرفون معنى الدولة.
لقد كان أمامه خيارين أو إختيارين: مصر وبينه وبينها بحر! والعراق ليس بينه وبين علي عليه السلام إلا قفار يمكن أن تطويها الجمال! وهكذا ذهب الى العراق، وهناك تأسست أول وآخر دولة للعدالة عرفتها البشرية، ولأن التاريخ طوى صفحات مؤلمة وبعضها مخز، ومنها صفحة اغتيال علي، ومن بعده ولده، حفيد الرسول وكل أسرته صلواته تعالى وسلامه عليهم، في المكان الذي إختاره لبناء دولته، إلا أن اختيار علي للعراق مقرا لدولته يبقى أمر ذو دلالة كبرى.
لم يكن اختيار علي عليه السلام لهم، ولبلدهم العراق مقرا لخلافته، ومن ثم دولته، أمرا اعتباطيا حاشاه عليه السلام، فهو سيد الحكماء، وقد حسبها جيدا، فوجدهم أهل لذلك، فهو صاحب مشروع حضاري كبير، هو بناء دولة العدل الإلهي، وهو المشروع الذي كلفه تعالى به نصا بكتابه الكريم " (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً).
العراقيون بناة حضارة أصلاء، خسروا التجربة الأولى، لكن عليهم أن لا يخسروا التأسيس، ولكي ينهضوا من جديد، عليهم أن يمشوا على أطراف الأصابع زهوا بهذا الاختيار، وأن لا ينسوا هذا الشرف، ويخروا صرعى ثقافات الإستلاب الغربي، أو الاستعراب المعادي لمنهج علي عليه السلام.
ليس في الأمر غرابة حين نكتشف؛ أن الإستغراب والإستعراب، تطابقت اليوم أهدافهما تماما، وإن بدت أساليبهما مختلفة، فالغايات واحدة؛ وهي إيقاف بناء دولة العدل الألهي..
كلام قبل السلام: الضربات القوية تهشم الزجاج لكنها تصقل الحديد!
سلام..
https://telegram.me/buratha