قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
يحـــكى أن ملكا أعــرجا وأعور طلب من العديد من الرسامين أن يرسموا له صورة لا تظهر عرجه وعينه العوراء، وحار الرسامون .. بكيف يرسمون الملك بساقين وعينين سليمتين !؟ ولم يستطع أي منهم أن يلبي طلب الملك الذي وعدهم بمكارم سخية إن هم حققوا ما يريد.
أحدهم كان بارعا في إلتقاط الفكرة، فأعمل فكره جيدا وتوصل الى حل للمعظلة..فرسم صورة كانت غايــة في الروعة والجمال ! ..لقد رسم صورة للملك وهو واقف، وممسك ببندقيــــة في وضعية إستعداد للصيد، وقد حنى رجله العرجاء ومغمضاً إحدى عينيه، وهــكذا بدا الملك في هذه الصورة كاملاً بلا عيــوب!..
هذه الحكاية مفيدة للبحث في فهم للتشابه غير المقصود بين مرحلتين.
ويبدو اليوم استحضار الماضي ضروريا لأخذ الدرس، ففي هاتين المرحلتين انفتح الفضاء السياسي فجأة على جميع تيارات الهواء السياسية؟ وقراءة سريعة ولكن غير متسرعة، ستكون مضادا حيويا ضد البلاهة، التي يتناول بها بعضهم الأحداث، من أثر غياب الذاكرة التاريخية.
ربما يبرر عملية المراجعة هذه أيضا، أنها أولا تفسر بشكل ما؛ جزءا من واقعنا الحالي، الذي لم يعرف كيف يخرج؛ من منطق سنوات الثمانينات وما تلاها من سنين..وهكذا تصبح حتى القراءة الموجزة للتاريخ على ضوء مستجدات الراهن أكثر من ضرورية، لكي نرى كم قطعنا من المسافة، شريطة أن لا نكون أسرى لها.
بشيء من الصراحة أتسائل: ألم يكن ضروريا وبديهيا؛ ونحن نقرع أبواب مستقبلنا السياسي، أن نهضم بكثير من النقد الذاتي، تاريخ علاقة القوى السياسية؛ المتصدرة للمشهد السياسي الراهن، ببعضها بعض قبل التغيير الكبير عام 2003..!
كانت بداية الثمانينات ؛هي السنوات الأولى التي تضع فيها الحركات الإسلامية؛ قدمها في داخل الحراك السياسي، وكانت نتاج قمع سلطوي خانق، وتعبيرا عن الرفض لحالة انغلاق سياسي مطبق، حكم على فضاءات التعبير بالإنزواء في أقبية التنظيمات السرية.
لكنها كانت بداية حملت أمراضها معها، لتصنع شبكة غير مرئية من الحروب الصغيرة والشخصية، بين هؤلاء الذين يؤثثون المشهد السياسي اليوم، إذ أن تلك البداية كانت هي أيضا، ذلك الرحم الذي طرح لنا نخبة اليوم، والتي تربطها علاقات سلبية متجذرة في الماضي؛ ما أستطاعت أن تنفك منها، وكانت تعبيرات تلك العلاقات السلبية متنوعة، بين خلافات أيديولوجية وعقيدية عميقة، الى مشادات ومعارك شخصية..
جيل الحاضر لا يستطيع إيجاد تفسير، لكثير من المشاحنات الآن بين القادة السياسيين، والتي تدور أمام أعين أبناء هذا الجيل، وبعضها على شاشات الفضائيات؛ وأتسائل أيضا عن الغول الذي يشدنا الى الخلف، الى درجة اننا حين نلتفت إلى الخلف، سنجد أن تلك الخلافات لا تبعد عنا الا قليلا رغم الفارق الزمني لأكثر من ثلاثين عاما.
كلام قبل السلام: ألا يمكن القول أننا مازلنا في بداية الثمانينات، لولا قواعد اللعبة السياسية الجديدة وقشرة الوسائل الاتصال الحديثة..!
سلام..
https://telegram.me/buratha