محمد كاظم خضير
في الخطبة الجمعة الماضية انتقد ممثل المرجعية الدينية العليا، الجمعة، "التعدي" على الاموال العامة وتقديم المصالح الشخصية والحزبية على المصلحة العامة، محذرا من "تدمير المجتمع" نتيجة تقديم مصالح السلطة، فيما دعا المؤسسات التربوية الى الاهتمام بالمنظومة الفكرية والاخلاقية . ان قرأت لهذا الكلام يمكن أن يتجلى في البداية اود الاشارة الى اهمية الصراع السياسي في بناء الدولة الحديثة وتكريس ثقافة الاختلاف و وتأسيسي قيم الديمقراطية وهذا ما كنا نفتقده خلال اكثر من نصف قرن من حكم الحزب الواحد والراي الواحد والرئيس المنقذ والزعيم ورجل التحديات
والمتأمل في المشهد السياسي بعد التغير الحاصل في العراق يلاحظ بكل وضوح تعدد في افكار وتوجهات بما خلق نوع من صراع بين الاطراف سوى بين الحكومة والأحزاب او بين الحكومة ومختلف مكونات المجتمع المدني او حتى صراع داخل الحكومي نفسها وهذا ما شهدناه اخير كمثل اختلاف في وجهات النظر بين الحكومة و الأحزاب وصل الى حد طرح ملف الاختلاف على مرشح وزارة الداخلية في سابقة هي الاولى في تاريخ حكم العراقي بعد٢٠٠٣
وان كان صراع حول عدم اكتمال الكابينة الحكومة سائرون هو صراع بين ما يعتبر قراراته منطلق من الشرعية التي اكتسبها نتيجة انتخابات فان سائرون ترى بانها الضامن لاحترام الحقوق ومبادي الديمقراطية مثلها مثل مختلف مكونات المجتمع المدني وقد تفاوت هذا الصراع لياخذ في بعض اوقات منحى غير محمود نتيجة تشبث كل واحد بموقفه وايضا المراهقة السياسية التي حدثت في أحداث البرلمان الذين سقطوا في فخ التحزب لينتقل من صراع على المبادئ الى صراع على مصالح بما يعني موقف حزبي صحيح لا يحتمل الخطأ كل هذا وسط صمت وعدم توعية المسؤولين في كلا الطرفين بخطورة هذا الاختيار
واقولها صراحة لقد حاد الصراع السياسي على اهدافه الحميدة وتفشى لدى مختلف الاطراف حتى داخل الكتل الواحدة بما ينبأ بمستقبل غير واعد يمكن ان يرجع بنا الى وراء في سياق تكريس سياسة الحزب الواحد
لقد ضاعت المصلحة الوطنية في معترك هذا الصراع و واصبحنا نستمع لقرارات اخذت بعد انفراد بالراي .
لا يستقيم الحال في ظل تشبث كل واحد برايه دون البحث عن التوافق الذي يخدم مصلحة الجميع فبدون شفافية في قرار يصبح القرار تعسف في استعمال السلطة كما نشير مثل هذه الصرعات الغير محمودة هي وسيلة لوأد مشاكل المواطن البسيط الذي لا يهمه هذا الصراع بقدر ما يهمه ان يرى الوعود الانتخابية على ارض الواقع بما يحسن من قدرته الشرائية ويضمن له العيش في مناخ يسوده الاحترام
لقد اصبحنا للأسف نعيش تحت نار العروشية المصلحة الحزبية ان صح التعبير وانحدر مستوى الحوار سوى من النخبة او العامة الى مستويات دنيا بما ينذر بخطر تحول الصراع الى الشارع من جديد وقتها سوف لن يكون هناك فائز فالكل خاسرون فلمصلحة من هذا الصراع وهل حان الوقت لتعديل الاوتار قبل فوات الاوانالمشكلة. أن مصلحة العراق هي التي باتت محل تجاذبات حزبية وأيديولوجية وسياسية، وحتى جهوية وقبلية، كما بات هناك من يرى أن مصلحة الحزب أو الفكرة أو الأسرة أو الفرد فوق مصلحة الوطن، وهناك من يرى أن وطنا لا ينبني على أسسه العقائدية ليس وطنا، وأن شعبا لا يتبعه كالقطيع ليس شعبا، وأن مصلحة البلاد ليست مهمة، إن لم تصبّ في مصلحته الشخصية.
العراق اليوم لا تنتج ما يكفيها، ولا تفلح في استقطاب الاستثمارات، ولا تسمح لها التجاذبات العاصفة بقرارها السياسي بأن ترتبط بعلاقات جدية مع حلفاء فاعلين وقادرين على مساعدتها، ومع ذلك فالجميع يشكو ويحتج وينادي بوضع اقتصادي أفضل لم يعد يتحقق، وإن تحقق بعضه فبالديون التي تتراكم، وبالخضوع المذلّ للمؤسسات المالية الدولية. العراق اليوم أضحت مُحرجة لسلطاتها الرسمية ومخيفة حتى لضيوفها، نتيجة خطاب التجييش الذي بات سائدا فيها ولثقافة التدافع التي تم تكريسها على أسس أيديولوجية تجاوزها الزمن، ولعجز الدولة عن التحكم في أدواتها الإعلامية التي كان من المفروض أن تحسب حسابا للمصلحة الوطنية العليا كما يعمل الإعلام في أغلب دول العالم بما فيها الدول الأوروبية العريقة ديمقراطيا.
العراق اليوم، أصبحت شبه رهينة للجيوش الإلكترونية المتحركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأجندات لا تخدم غير الواقفين وراءها، ممن يحلمون بالعراق المعزولة عن محيطها والخارجة عن ثوابتها والخاضعة لسياسات المحاور، في حين أن الدول الكبرى ذاتها، لا تفكر إلا في مصالحها، بعيدا عن الشعارات والأيديولوجيات والحسابات الحزبية الضيقة.
إن العراق اليوم ورغم أنها لا تعاني من تباينات عرقية أو دينية أو مذهبية أو طائفية، إلا أنها باتت رهينة الأيديولوجيات فاقدة الصلاحية التي تدفعها نحو الإفلاس والفقر والتأزم الاجتماعي، في حين أن العالم من حولها بات مبنيا على المصالح والشراكات والاستثمار والأسواق الكبرى والتطور العلمي والمعرفي والذكاء الاصطناعي واقتحام الفضاء. وبينما يختار الجانب الأكبر من العراقيين الصمت واللامبالاة، أصبحت قلة قليلة من داخلهم، تقرّر مصيرهم وتحدد علاقات بلادهم الخارجية وتتلاعب بمصالحهم وبمستقبل أبنائهم، وتزعم أنها وصّية عليهم ومسؤولة عنهم وأنها الأدرى بمصالحهم والمؤتمنة على مستقبلهم.
إن العراق اليوم، يحتاج إلى كثير من البراغماتية، وإلى سلطة قوية قادرة على تجاوز هذا التفكك الذي يواجه المجتمع، وعلى وضع النقاط على الحروف خاصة في ما يتعلق بالمصلحة العليا للبلاد، فمصلحة الوطن فوق مصلحة الحزب أو الجماعة أو الفرد، والانفلات بشكله الحالي لن يدفع إلا إلى المزيد من الضياع في قلب عاصفة قد تؤدي بالجميع إلى ما لا يحمد عقباه.
https://telegram.me/buratha