علي الطويل
لعل من سلبيات التجربة العراقية بعد التغيير هو الانفتاح الا محدود على وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي فبعد ان كان الراي مخنوقا ومسلوبا والخبر تسمعه من قناة واحدة هي قناة الجلاد ليتلقاها الضحية انفتح الباب على مصراعيه في تلقي الخبر والفكرة والمعلومة والراي من كل اتجاه بدون ضوابط ولا محددات تضبط هذه الحركة وتوجهها بما يخدم مصالح البلد ويحقق الاهداف المرجوة وتحافظ على النسيج الاجتماعي والاخلاق والاداب والسلوكيات الاجتماعية ،مما ادى بالتالي الى خلق حالة من الفوضى الاعلامية ليس لها رادع ولا ضابط ،وقد استغلت الكثير من المواقع الاعلامية والفضائيات ووسائل التواصل هذا الانفتاح لتمارس اجنداتها المشبوهة في تمزيق وحدة الصف العراقي اولا والتاثير في عادات واخلاقيات المجتمع وزرع عادات جديدة غريبة عن موروث المجتمع وثقافته الدينية والاجتماعية وبالتالي التاثير على سلوكه بما يخدم تلك الاجندات الخارجية ذات الاهداف البعيدة. ومما لاشك فيه ان التاثير المعرفي للاعلام هو اشد من التاثير السلوكي لان التاثير المعرفي هو عميق الجذور يشمل الاعتقادات والاراء والهويات التي تتاصل في داخل الفرد وتتحكم بسلوكه ،بعكس التاثير السلوكي الذي يضمحل باضمحلال المؤثر لذلك فان تاثير الاعلام في هذه الموارد يكون قويا في محصلته لان الاعلام بسبب قدرته على استمالة الافراد والجماعات بسبب التكرار والتنوع وقدرته على التغلغل في الحياة . وقد ادركت الامم خطورة الاعلام وسلطته وسطوته على الافكار فاخذت تنفق الملايين لتحقيق سياساتها من خلاله واقناع الجمهور بشرعية خططها وبرامجها .وفي تجربتنا العراقية فان هناك خللا واضحا في التعاطي مع هذه القضية اذ اننا نشهد اعلاما مأزوما يبث سمومه وافكاره لتفكيك المجتمع والثاثير في ثقافته بلا رادع قانوني ولا خطط او برامج تحصن المجتمع من اثاره ، وما كشفته وسائل الاعلام مؤخرا لعدد المواقع الالكترونية المتعددة والتي تدار من خارج العراق وتبث سموموها في الداخل العراقي يجعلنا ندق ناقوس الخطر بوجوب معالجة الامر وبسرعة قبل نصل الى ما لاتحمد عقباه .لذلك فيجب ان تعالج الحكومة الحالية والحكومات القادمة الازمة الاعلامية التي يعيشها العراق وان تعطي الاولوية للاعلام الهادف المنضبط وان تضع القوانين والخطط التي تحافظ على مسار اعلامي واضح يكون اساسه مصلحة البلد والحفاظ على نسيجه الاجتماعي واخلاقياته وثقافته الاصيلة.وان يكون اعلامنا اعلام دولة لا اعلام حكومة كما جرت عليه العادة، ويكون عصريا هادفا ينتهج الحوار ويعكس رؤية الدولة وكرامة المواطن ومكارم الاخلاق وشرف الامانة واحترام الانسان وان يطور هذا الاعلام ادواته بما ينسجم والتطور العلمي ،وان يطور اساليبه وينتهج المصداقية والمهنية ملتزم بثوابت الوطن ويبتعد عن الابتزاز والتشهير والتسقيط ليكون بديلا عن الاعلام المشبوه ذوالاغراض الواضحة في طمس الهوية والمنظومة الاخلاقية وتاجيج الشهوات.وان يحدد هذا الاعلام بضوابط وانماط تنظيمية ذاتية ورقابة على ادائه لضمان جودته والاطمئنان على رسالته الهادفة.
https://telegram.me/buratha