كفوا عن تبديد أموالنا!...
قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
هي مفارقة عجيبة أو مخزية تلك التي تحصل في سياستنا، وهي تشبه إلى حد بعيد مسرحية ماكبث لشكسبير بأبطالها التراجيديين !..فقد سبق أن مرر مجلس النواب، أمتياز يتعلق بمنح النواب بدل إيجار مسكن في بغداد، وبقيمة ثلاثة ملايين دينار شهريا، بما يعادل قرابة 12 تريليون دينار في السنة، أي 48 تريليون دينار لآربع سنوات!
شخصيا أحترم مجلس النواب وأعده خطي الدفاعي الأول، وهو صوتي لدى الدولة،واشعر بالأطمئنان الكبير، لأن لدي عدد جيد من السادة النواب أصدقاء مهمين، لكن الأحترام والعلاقة الشخصية شيء، ومثل هكذا قرار شيء آخر.
مع العرض ان معظم النواب يمتلكون مساكن لائقة، سواء في بغداد أو في محافظاتهم، وأن لا أحد منهم يسكن مدن الصفيح والعشوائيات، فإن مثل قصة تأجير مساكن للنواب في بغداد، وسعي النواب للحصول؛ على أمتيازات ومنافع مادية ليست مألوفة، تكررت كثيرا، ونتذكر أنهم في 23 شباط عام2012، أقروا شراء 350 سيارة مصفحة لأنفسهم، بقيمة 60 مليار دينار عراقي، أي ما يعادل 50 مليون دولار.
تحول هذا التوجه الى ظاهرة متكررة، عنوانها تفضيل للنواب مصالحهم الخاصة، على مصالح الشعب الذي ائتمنهم على تلك المصالح، وهو ما يشي بأن هناك خلل كبير في منظومة تفكير النواب، وأن هذا الخلل يؤدي الى هدر للمال العام.
هذا الخلل أدى الى صدور آلاف الاحتجاجات، عن البسلاء ممثلي السلطة الرابعة، أو في وسائل التواصل الأجتماعي، وها هي مجددا حالة تعبوية نادرة تحصل، حيث أصطف فيها أبناء الشعب، متراصي الصفوف مدافعين عن حقهم، مستنكرين ما أقدم عليه النواب من قضم مقونن لثروة الشعب..
في عام 2012 في الواقعة التي أشرنا أليها، تواصلت الاحتجاجات بحضارية نادرة متصاعدة، إلى حد أجبر فيه مجلس النواب، على التراجع عن "تصفيح" نوابه و"تدريعهم"، على حساب الذين يواجهون مصيرهم متروكين في العراء.
تقدم "قصة" تراجع المجلس؛ عن شراء السيارات المصفحة لنوابه، ملخصا لما سيحدث في قابل الأيام، فمن المؤكد أن مجلس النواب؛ سيتراجع هذه المرة أيضا، وسيتخلى عن إستئجار مساكن فارهة لأعضاءه، بعدما قال الشعب بأن على مجلس النواب؛ السعي لتوفير مساكن لفقراء العراق ومعوزيه، قبل أن يفكروا في أنفسهم.
سيتعين على النواب مستقبلا، أن يحسبوا خطواتهم جيدا، وعليهم أن يزنوا قراراتهم، بميزان لا يجبرون فيه؛ على أعادة "الوزن" مرة تلو أخرى،لكن شعبنا لن ينساها لهم، وفي المرة القادمة، وعندما يرتكب أي مسؤول في الدولة، نائبا أو حكوميا أو أمنيا، خطأ ما بحق الشعب، سوف لن يكتفي الشعب بالتراجع أو الأعتذار، وسيتوجب على من يرتكب الخطأ، أن يواري سوأته بنفسه، كما واراها الغراب في قصة هابيل وقابيل.
الدرس الذي يتعين على مجلس النواب وسائر الساسة، تعلمه من هذه "القصة"، هو أن شعبنا يعرف جيدا حقوقه، وهو أوعى بكثير منهم، وهو يمتلك آليات فاعلة لانتزاع حقه، يجهلها الساسة المعتدون.
كلام قبل السلام: هذه الآليات هي التي ستبني ديمقراطية سليمة، لا يمكن من خلالها أو بواسطتها أو تحت عباءتها، لكائن من يكون أن يتلاعب بمقدرات العراقيين، أو حتى أن يلعب بذيله..!
سلام...
https://telegram.me/buratha