محمد كاظم خضير
عقب الهزائم الساحقة التي لحقت بالدولة الإسلامية في العراق وسوريا، أخذ بعض المحللين بالإشارة إلى قرب نهاية هذا التنظيم، بينما يؤمن الغالبية بأن هذه المرحلة انتقالية فقط. بالتأكيد يعتبر السيناريو الثاني هو الأكثر احتمالا، حيث ستزداد الهجمات في الخارج بوجود أكثر من (5600) مجند أجنبي عائدين إلى (33) دولة.
في شهر يوليو (تموز) الماضي، خسرت الدولة الإسلامية مدينة الموصل التي أعلن فيها أبو بكر البغدادي الخلافة قبل (3) سنوات. في شهر أكتوبر (تشرين الأول) أعلنت قوات سوريا الديمقراطية تحرير مدينة الرقة عاصمة الدولة الإسلامية. مما لا شك فيه أن السيطرة على الأراضي جزء مهم من هوية التنظيم والذي لم يختر صدفة تسمية نفسه دولة العراق الإسلامية، ومن ثم الدولة الإسلامية في العراق والشام وأخيرا الدولة الإسلامية.
ويعكس تغير الاسم المكاسب التوسعية للتنظيم، والتي يعبر عنها أيضا في شعار “باقية وتتمدد”.
ليس هناك سبب للاعتقاد بأن الدولة الإسلامية ستنتهي. بل إنها -على الأرجح- سوف تنجو من خلال التطور لنموذج أشبه بالقاعدة. أي إن التنظيم سوف يعود إلى جذوره القاعدية، وهذا سيتيح للدولة الإسلامية النجاة بدون دولة.
إن العلاقة بين التنظيمين متوترة خصوصا منذ شهر فبراير (شباط) 2014 عندما قام أيمن الظواهري بإدانة التنظيم الأصغر، ولكن هذا لا يعني أن الدولة الإسلامية لن تختار اللجوء إلى نهج القاعدة مثل مفهوم “العدو البعيد” والذي يتجسد في الغرب وتأجيله رؤية الخلافة لتكون مشروعاً طويل الأمد وليست أولوية عاجلة.
إذا تغيرت استراتيجية الدولة الإسلامية تتغير معها المكافأة أيضا، خصوصا في ضوء ظاهرة عودة المقاتلين الأجانب.
في إعادة تعريفها لنفسها بعد خسارتها للأراضي، سوف تقوم المجموعة بتعزيز نفوذها العالمي والخارجي. إن ما ميز الدولة الإسلامية عن الجماعات الجهادية الأخرى كانت الهوية الدول-محلية وهي خليط من الأثر العالمي الذي يتيح الهجمات في الغرب، وأهداف أخرى وقدرتها على مسك الأراضي في سوريا والعراق.
من المتوقع أن يسود نموذج الجماعة الإرهابية التقليدية في هذه المرحلة. في هذا الإطار ليس صدفة قبل مقتل أبي محمد العدناني (المتحدث باسم الدولة الإسلامية) أنه أعلن أن الدولة الإسلامية ستواصل القتال حتى إن كانت دون أراضٍ.
إن السيطرة على الأراضي وإدارتها كانت أساسية في تأسيس أسطورة التنظيم وجذب الجمهور. إن هذا الخطاب مؤسس ويصعب نفيه. من المرجح أن يتم استبدال توجه السيطرة على الأراضي بمنطق طوبائي لخلافة مستقبلية ستعيد أمجاد جهاد الماضي والتوسع والقوة.
وبالنتيجة لن يتم نفي هذا الخطاب، ولكن سيعاد ترتيبه على مستوى طوبائي متجدد، والذي سيبني ويعيد بناء أسطورة العودة إلى الماضي المجيد للجهاد والتوسع والقوة.
من المنظور الاستراتيجي سوف تشابه هجمات الدولة الإسلامية تلك التي تنفذها القاعدة؛ أي تكون ذات رمزية عالية، ولكن من غير المرجح أن يكون للتنظيم المقدرة أو المصادر للتخطيط وتنفيذ هجمات بحجم تلك التي وقعت في 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
الأكثر ترجيحا أن الدولة الإسلامية سوف تركز على العدو البعيد، ولكنها ستعتمد أساسا على خلايا صغيرة لها روابط إما ضعيفة أو غير رسمية مع القيادة المركزية وتنفذ هجمات قليلة التكلفة.
وبالتأكيد أن العديد من الهجمات الإرهابية الأخيرة مثل نيس وبرشلونة كانت بسيطة لوجستيا ولم تتطلب تخطيطاً طويل الأمد وشخصياً.
إن التوجه نحو نهج القاعدة في الدولة الإسلامية يلاحظ أيضا في الخطاب الجديد، والذي بدأ يشدد على مستقبل غير معلوم أكثر من الحاضر.
على سبيل المثال أثناء الحديث عن خسارة الموصل والرقة استخدم الذراع الإعلامي للخلافة بكثافة مفهوم “المعركة الصغرى” حيث يدعي التنظيم أن النصر يتحقق فقط بعد “المعركة الكبرى” وهو نوع من التنبؤ الآني لعدو لم يقدم بعد.
لذلك فإن القضية العاجلة والأهم فيما يخص الأمن الدولي هو عودة المقاتلين الأجانب. وفقا لتقرير نشره مركز سوفان، ترك أكثر من (5600) مقاتل الدولة الإسلامية خلال الأشهر القليلة الماضية، وهذه البيانات تخص (33) دولة فقط على الرغم من أن الدولة الإسلامية جذبت مجندين من دول أخرى.
إن هذه العيوب سوف ترغم -على الأرجح- الدول لمعالجة عدد من القضايا العالقة من زيادة خطورة الهجمات إلى انتهاكات التشريعات الوطنية التي من المفترض أن تحاكم هؤلاء العائدين.
إن العديد من أعضاء الخلية الفرنسية البلجيكية والمسؤولة عن هجمات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وبروكسل في مارس (آذار) 2016 كانوا قد تدربوا في الشرق الأوسط ثم عادوا لاحقا إلى أوربا.
وفيما يخص انتقال الجهاديين فهذه ليست ظاهرة جديدة، ولكن الأرقام الحالية غير مسبوقة. كلما استنزف المسرح الجهادي جمهوره تعود نسبة معتبرة من الفضاء الجهادي إلى مسارح أخرى في مناطق أخرى.
إن المثل الأوضح لذلك هو ما حصل بعد الجهاد ضد السوفيت في أفغانستان، عندما تشتت مئات المقاتلين في نزاعات إقليمية مختلفة مثل البلقان والجزائر، أو عادوا إلى أوطانهم أكثر التزاما بالقضية كما حصل في مصر.
في الاستنتاج إذا كان السؤال هو: “هل ستنجو الدولة الإسلامية بالخصائص والأولويات نفسها التي كنا نعرفها؟” فإن الجواب سيكون: لا.
على العكس سوف تخضع لتغيرات استراتيجية وتكتيكية مهمة لتعود إلى نهج قريب من القاعدة.
أما بالنسبة لتنظيم القاعدة، فإن مجموعة أيمن الظواهري سوف تستفيد -على الأرجح- من فشل الدولة الإسلامية لإضعاف صورة الأخيرة، ولتسليط الضوء على أن أهداف الدولة الإسلامية كانت غير واقعية وكان السعي لها فوضويا.
https://telegram.me/buratha