قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
لابد من التأكيد بان الانهيارات الكبرى، لأنظمة شمولية كالذي حصل في بلادنا، والتي جرت بأدوات خارجية، لم تكن لتحصل لو لم تنضجها ظروف داخلية، في مقدمتها انتهاء (صلاحية) النظام الشمولي السابق، لكونه أصبح نشازا وخارج سياق التطور الإنساني؛ ولا يتسق مع حركة التاريخ، فضلا عن كونه بات لا يخدم مصالح الذين صنعوه، والمفارقة الغريبة هي أن الذين صنعوه هم الذين أزاحوه!
مثل هكذا إنهيارات، لا يتعين التعاطي معها ببساطة، إذ لا بد ان تتبعها تغيرات اجتماعية وسياسية كبرى، تتناسب وحجم التغيير الحاصل لنظام بقى جاثما؛ لأربعين سنة على صدور العراقيين، إستطاع خلالها بناء مجتمعه الخاص، وترتيب أوضاع منظومته الساندة.
لا بد من التسليم أيضا، بأن خمسة عشر عاما بعد زوال نظام صدام، ليست كافية لإحداث التغيير الشامل، فثمة أربعة أجيال ترعرعت في كنف الصدامية، لذلك فإن الذي خلال خمسة عشر عاما الفائتة، والذي يجري الآن في العراق؛ والذي سيجري بعد خمسة عشر عاما أخرى، شيء طبيعي ومن المتوقع حدوث،ه نظرا للمستوى المفجع من التنافر الاجتماعي والمكوناتي، الذي نتج عن سيادة نظام شمولي أرعب حتى نفسه.
التغيرات الكبرى التي أشرنا اليها؛ كان ينبغي ان تتحرك؛ وفقا لمنطق السياسة بثلاث مراحل، المرحلةالأولى تتمثل بتأسيس( سلطة)؛ تدير المجتمع وشؤونه انتقاليا، ولكن بحد مقبول من التداخلات؛ التي من بينها استعمال القوة؛ بمستوى أكثر من حده الطبيعي بالمجتمعات المستقرة.
ثاني المراحل هي الانتقال بالبلاد؛ الى دولة المؤسسات التي تشيع قيما مقبولة، ثم يتم في المرحلة الثالثة اللاحقة، الانتقال الى دولة الهدف. فهل وصلنا الى دولة الهدف، بعد قرابة ستة عشر عاما، منذ أن أجريت لنا عملية إستئصال دولة الرعب!؟
الحقيقة أننا لم نخرج لحد الآن من المرحلة الثانية، ناهيك عن أن ندخل في المرحلة الثالثة والنهائية، لكن المؤكد أننا نمشي حثيثا، نحو بناء دولتنا وفقا لقياساتنا.
هذا بالضبط؛ هو الذي يجعل الآخرين، وفي مقدمتهم دولة الشر الوهابية السعودية، يقفون بالضد العلني من عملية بناء دولة على مقاسنا، لأنهم يعرفون أننا سنبني "دولة"؛ وليس "نظام" حكم مثلما يملكون أو مثلما بنوا.
إننا بالحقيقة ومنذ أكثر من سبعة آلاف عام، مستمرون بثبات ببناء "الدولة" العراقية، وهم بنوا أنظمة؛ مثلا "النظام" السعودي والأردني والبحريني والإماراتي...الخ.
الأنظمة يمكن أن تنهار بصيحة واحدة، تنادي "الشعب يريد أسقاط النظام"! لكن ليس من المتوقع؛ أن يصيح أحد من الشعب يريد زوال الدولة.
كلام قبل السلام: الفرق كما ترون كبير بين الدولة والنظام، الدول تبقى والأنظمة تزول..!
سلام..
https://telegram.me/buratha