قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
حينما أزيل صدام وطغمته عن وجه العراق، في التاسع من نيسان 2003، لم يدر في خلد اي عراقي، أنه سيأتي من هم أكثر شؤما منه، فقد كنا نتوقع أنه وبعد أربعة عقود، من حكم دولة القرية، أنه قد أقبل علينا أناس، مختلفين تماما عن أبالسة البعث، أُناس ألسنتهم تُغرد بالديمقراطية وحب الوطن؛ بعيدين كل البعد، عن شعارات( حياك أبو عداي) و(وياك يا ابو حلا)، ولايحتكرون عقولنا بما تشتهي أنفسهم.
قلنا حينها أنه جاء "الملائكة الجدد؛ " بعد سقوط" أبليس الكبير"، بأشياء لم نعهدها مِن قبل، كالحريات، والعدالة، ونظريات مستقبلية، وخطط تنموية، ورؤى مشتركة، وحقوق الإنسان..ولطبيعة الحظ القاسية، وسخرية الأزمنة السوداء؛ لم نتعرف على هذه الأشياء مٍن قبل، ولم نفرق؛ هل هي نوع من أنواع الأطعمة، أو آلات تستخدم في المنازل، أم أنها "سلع " made in U.S.A ؟!
لكن " ملائكة الدعاة" ولفرط ذكائهم، لم يُظهروا كل شيء على الملأ، بل كان هنالك أسرار وخفايا، أسدل عليها ستار غليظ، وكانت المنطقة الخضراء حصنهم المنيع، فكل شيء خلف كتلها الكونكريتية سري، لكن ومن خلال أسلوبهم في قيادة الدولة، وتلاقفهم مواردها تلاقف الكرة، أخذت تلك الأسرار، والنوايا تظهر للعيان.
لأنهم حفظوا الدرس البريطاني القديم جيدا ، "فرق تسد"، كان من بين ما عملوا عليه بقوة، هو تفريق العراقيين طرائق قددا، لم يستطع العراقيين أن يحركوا ساكنا، لتحشيد جهودهم لكشف المستور؛ بل كانوا يصغون بتمعن لتلك الممارسات، حتى عِلقوا بحبائل "الدعاة"، وغرقوا في بئر دولتهم العميقة..!
حينها أكتشفنا أن الأمل والتفاؤل؛ لم يعد لهما وجود، في حياة العراقيين الشائمة منذ فجر الخليقة؛ فقد رُقن قيدهما؛ يوم إن نزل إبليس على أرض العراق، ولم تعد في أفق المستقبل بوارق لهما؛ ما دام"الدعاة الأبالسة" قد كشروا أنيابهم الحادة على مقاليد الحكم، في الأرض التي هبط فيها أبليس من الجنة، والتي أسمها العراق!
ما يشغل المسافة بين " ملائكة السياسة" والأتباع؛ طبقة تضم أكاديميين، وصحفيين، وباحثين سياسيين، وهؤلاء هم العقل النابض للمجتمع، ألا أن هذه الطبقة أصيبت بمرض عُضال، ناتج من تراكمات الماضي البعيد، والقريب، وإنحصر دورها بالإتباع وليس الإبداع؛ لِيوظفوا معارفهم، وعلومهم خدمةً لـ"الدعاة" الذين تبين فيما بعد؛ إنهم أبالسة كِبار!
هذه الطبقة هي "الدولة العميقة" للدعاة، التي ستتغير توجهاتها وميولها؛ بتغير الأنظمة، كلما وجدت أحضان دافئة، لتحافظ على وجودها وتماسكها، ولِتنفيذ ما يدور في جماجمها، في سبيل ديمومة البقاء في قمة الهرم؛ مقابل الرفاهية والدنانير، التي تمتعوا بها على حساب مجتمع مُحطم، عملوا هم و"دعاتهم الأبالسة" وبلا هوادة، على زيادة تحطيمه ليخلو لهم وجه العراق!
بعد خسارة"الدعاة الأبالسة" الكبرى في الأنتخابات الأخيرة، سيعملون بلا كلل أبقاء دولتهم العميقة، التي بذلوا أموال العراق المنهوبة كلها على إنشائها، وسيحاولون رسم صورة وردية عن زمنهم، وسنسمع ما يسبب لنا صداعا رهيبا، عن "تضحياتهم" وعن "تاريخ حزبهم"، الذي قتلوه ودفنوه هم بأنفسهم، وسيخوضون معارك إعلامية طاحنة، وسيرجمون مخالفيهم بوابل من الشائعات!
كلام قبل السلام: الأخطر من كل ذلك، هو أن أفراد دولة الدعاة العميقة؛ سيغيرون جلودهم بسرعة، وقد بدأوا بذلك فعلا..!
سلام..
https://telegram.me/buratha