قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
في أحد شتاءات بغداد؛ وقف رجل قليل التعليم؛ فوق جسر من الجسور التي نهر دجلة، كان الماء ينساب هادرا، فقد كان الموسم موسم أمطار، وكانت أفكارا وأسئلة كثيرة، تعتمل في رأس هذا الرجل، لكن أحد هذه الأسئلة كان غريبا، فقد تسائل الرجل بينه وبين نفسه: كيف مرتْ كل هذه المياه من أسفل الجسر ولم يسقط؟!
مد الرجل بصره نحو المنطقة الخضراء، وشاهد سارية علم العراق العالية جدا، وفكر بسكانها الدائميين، وبالطارئين منهم أيضا، وكلهم يمرون يوميا من تحت تلك السارية؛ فكر ايضا بقصص الثراء الفاحش، الذي يتمتع به أولئك المارين المـنقين، وتسائل مع نفسه بحرقة، كيف مرالأثرياء الفاسدين، من تحت هذه السارية دون أن تسقط؟!
في هذه السنة، وشأنه شأن السنوات الفائتة، احتل العراق وبسخام وجوه كبار مسؤولي الدولة، المركز ما قبل الأخير في تصنيف منظمة الشفافية الدولية، التي أدرجته في سجلاتها منذ عام 2003، كما انه يتقدم صفوف المراتب العليا في مدركات الفساد في العالم، ولا ينازعه احد على هذه المراتب، سوى الصومال والسودان ودول الموز في امريكا اللاتينية التي تقدها جميعا.
ايضا؛ وبحسب تقارير صادرة عن هيئة النزاهة المستقلة، وعن لجنتي النزاهة والمالية البرلمانيتين، وتقارير محلية ودولية، تم إهدار ما يقارب من 300 مليار دولار، من مجموع موازنات الدولة منذ 2004 لغاية عام 2015، والبالغة 876 مليار دولار، رغم وجود 4 جهات رقابية رسمية، وهي النزاهة العامة، المفتشيات العامة، ديوان الرقابة المالية، ولجنة النزاهة البرلمانية.
ووفق هذا التصنيف؛ فإن العراق احتل عام 2003، المركز 115 من أصل 133؛ وفي 2004 احتل المركز 129 ، من أصل 145 دولة، وفي 2005 احتل المركز 141 من أصل 159 ، ليصل في عام 2012 ليحتل المركز 169 من 176، والمركز 171 من 177 في 2013 ، والمركز 170 من 175 عام 2014، وفي عام 2015 ،كنا متربعين عرش الفساد العالمي بإقتدار وشموخ!.
هذه المؤشرات المرعبة لإرهاب الفساد، تشير إلى أن في العراق ليس فقط دولة فاشلة، بل منظومة "لا دولة"، وأن هناك دولة عميقة موازية تحكم العراق، هي دولة الفساد، وأنها أقوى من الدستور ومجلس النواب، وتتحكم بمفاصل الدولة الظاهرة للعيان، وتسيرالواقع العراقي بكل تفاصيله، كما انها جعلت الدستور في واد، وواقع حقوق المواطن والدولة في واد اخر.
كلام قبل السلام: الحقيقة بسيطة جدا؛ لأنها لا تحتاج الى ايضاح..!
سلام
https://telegram.me/buratha