محمدكاظم خضير
عقد مجلس النواب العراقي اول جلسته وظهر ما ظهر من مشاكل التي يرى البعض بأن حل المشاكل التي تعاني منها تشكيل العملية السياسية يكمن في الأخذ بمبدأ المحاصصة في توزيع المناصب السياسية من أجل تشكيل الحكومة ، ويرى هؤلاء بأنه يجب الأخذ بالمحاصصة واعتمادها في كل الإدارات، وفي البرلمان القادم، ..
بدءا لابد من القول بأنه من دواعي الاطمئنان على وحدة هذه البلاد وعلى تلاحم شعبها وتماسكه أن يرى الواحد منا كل مكونات العراق في تمثيلهم في الحكومة المقبلة التي تأتي مع بيانات روساء الكتل ، ..بل و أكثر من ذلك، فقد يكون من دواعي الاطمئنان على وحدة هذه البلاد وعلى تلاحم شعبها أن نرى كل هذه المكونات فيما يُفرح وفيما يُحزن أبعدنا الله جميعا عن الأحزان، أن نراها في أي سجن نزوره، وفي أي حادث سير نعلم بوقوعه.
لا خلاف على أن من دواعي الاطمئنان على وحدة البلاد وعلى تلاحم شعبها وتماسكه، أن ترى العراق مصغرة أينما وليت وجهك : أن تراها في قصور الأغنياء وفي أكواخ الفقراء، في هرم الوزارات وفي أدناها، في صفوف القادة وفي جماهير المناضلين، في علية المجتمع وفي عامته، .
من المهم جدا أن يرى الواحد منا العراق مصغرة أينما ولى وجهه، ولكن هل سيتحقق ذلك من خلال اعتماد مبدأ المحاصصة في توزيع المناصب الحكومية المقبلة؟ وهل اعتماد مبدأ المحاصصة في اختيار الوزراء سيحسن من حال هذه الحكومة المقبلة؟
إن اعتماد المحاصصة كأسلوب في اختيار الوزراء لن يحسن من حال هذه الحكومة المقبلة أو تلك، تلك حقيقة يجب أن تقال بلغة فصيحة وصريحة، ولتأكيد وجاهة هذا القول فدعونا نتوقف مع جملة من الملاحظات التي قد لا تجد من يتحدث عنها.
احتكر حزب الدعوة منذ 2003 الي 2018 يزيد منصب رئيس الوزراء مع وجود حالة استثناء وحيدة كان فيها نصيب رئيس الوزراء من حظ حزب الدعوة.
أكثر 17 سنة حزب الدعوة يحتكر منصب رئيس الوزراء ، ومع ذلك فما تزال هذه مناطق الجنوبية تعاني من بؤس شديد، وربما تكون من أكثر مناطق الوطن بؤسا وكل محافظات الوطن تعاني من بؤس شديد، وما تزال مدينة البصرة ـ عاصمة ألجنوب ـ من أكثر محافظات الجنوبية بؤسا، وكل عواصم محافظات الوطن هي مدن بائسة.
لم يستفد المواطن العادي في هذه المناطق من احتكار حزب الدعوة لرئيسة الوزراء طول 17سنة ، لم يستفد المواطن الجنوبي في سكنه، ولا في صحته، ولا في تعليمه، ولا في تشغيل أبنائه، ولا في التحسين من ثروته الحيوانية. لم يستفد من احتكار حزب الدعوة، وإنما انحصرت الاستفادة في الوسط الضيق جدا لمن تولى رئيس الوزراء من أبناء هذه المناطق الجنوبية، . أما اكثر من 15 مليون ألف وزيادة من سكان هذه المحافظات الجنوبيه فإن حالهم لم يتحسن ولو قليلا. يمكن أن نقول شيئا مماثلا عن محافظة جنوبية البصرة التي حظيت بعدد من المسؤولين الذين آخذة مناصب وزارية الذين ينحدرون من هذه المحافظة أو على الأقل ينتسبان إليها، ومع ذلك فما تزال هذه محافظة تعاني، وما تزال أقضيتها تعاني.
دعونا نسأل هنا هل كان حال مناطق الجنوب سيكون أفضل لو تم اختيار شخص لرئيس الوزراء من خارج الحزب دعوة، ولكن بشرط أن يكون معيار الاختيار كان قائما على الكفاءة والاستقامة وحسن الأداء؟
من المؤكد بأن حالها كان سيكون أفضل لو كانت المعايير التي يتم على أساسها اختيار رئيس الوزراء الأول هي معايير تتعلق بالكفاءة والنزاهة والاستقامة ، ولا يهم في هذه الحالة أن يكون رئيس الوزراء من أقصى نقطة في شرق البلاد أو في غربها، من أقصى نقطة في شمال البلاد أو في جنوبها. بل لا يهم في هذه الحالة أن يكون رئيس الوزراء من إنس العراق أم من جنها، ففي كل الأحوال فإن وزيرا أول تم اختياره على أساس الكفاءة والاستقامة لابد وأنه سيعمل على إيصال كل محافظة نصيبها من التنمية ومن عائدات الثروة الوطنية.
إن كاتب هذه السطور ليفضل أن يتم تعيين حكومة كاملة ليس من بينها أي وزير ينتمي إلى قبيلته أو إلى جهته أو إلى شريحته، بل إنه يفضل أن يتم تعيين حكومة كاملة من الجن، أو أن يتم استيراد أعضائها من إحدى الدول المجاورة بشرط أن يكونوا أكفاء، إنه ليفضل تلك الحكومة المستوردة من دول مجاورة عن حكومة من المفسدين حتى ولو كان كل وزرائها من أبناء قبيلته.
في الفقرة السابقة تحدثنا عن أعلى الوظائف في الجهاز التنفيذي، وبينا أنها لم تنعكس إيجابا على الجهة أو المنطقة التي ينحدر منها من تولى تلك الوظائف والمناصب العليا. في هذه الفقرة سنتحدث عن الوظائف ذات الطبيعة السياسية والتشريعية، وسنبين بأن هذه الوظائف لم تنعكس هي أيضا على شريحة من تولى تلك الوظائف والمناصب.
دعونا نطرح أسئلة مباشرة جدا : هل انعكست رئاسة سليم الجبوري لمجلس النواب بشكل إيجابي على الشريحة التي ينتمي إليها؟ هل تميز تسييره وإدارته لها عن تسيير غيره من أبناء الشرائح الأخرى وبما انعكس إيجابا لصالح الشريحة أم أنه لا توجد فوارق في هذا المجال تميزه عن غيره؟ وهل لاحظتم أن هناك اهتماما خاصا بسن القوانين التي يمكن أن تفيد الشريحة تميز به سليم الجبوري عن غيره أم أن الذي لاحظتهم هو أن سليم الحبوري ومحيطه الأسري الضيق قد استفادا كثيرا من هذا المنصب، وأن الشريحة في عمومها لم تستفد أي شيء من وجود أحد أبنائها على رأس هذه الغرفة الهامة؟ وهل استفادت شريحة أخرى في عهد أسامة نجيفي وهل سمعتم في عهد ذلك الرجل عن تشريع قوانين ذات أهمية لتشجيع الصناعة التقليدية مثلا أم أن الذي حصل هو أن سليم الحبوري جمع أموالا طائلة، وشيد القصور، ثم أغلق من بعد ذلك أبوابها في وجه المستضعفين من شريحته؟
سؤال آخر : هل سمعتم عن مقترح قدمته لجنة الزراعة في مجلس النواب للحكومة لصالح هذه الشريحة أو تلك في هذا العهد أو ذاك؟ وهل هناك فرق يذكر فيما تحقق لصالح هذه الشريحة أو تلك عند المقارنة بالفترة التي ترأس فيها سليم الجبوري باب المجلس وتلك التي ترأس فيها اسامة النجيفي هذا المجلس؟
أخيرا ماذا استفادت مكونة أخرى من مكونات المجتمع احتكرت رئاسة مجلس النواب لما يقترب من17سنة، فهل استفادت تلك المكونة من هذا المنصب الرفيع أم أن الذي استفاد في حقيقة الأمر هم الأشخاص الذين تولوا ذلك المنصب الرفيع؟
في الماضي كانت الحركات والتيارات الأيدلوجية ذات تأثير قوي في تحريك الساحة وفي الضغط على الأنظمة، ولقد استغل الكثير من قادة تلك الحركات والتيارات مواقعهم القيادية لتحقيق مكاسب خاصة على حساب تياراتهم التي ينتمون إليها.
فكم من قيادي تم تعيينه في وظيفة سامية او وزير، وكم من قيادي تناسى الأفكار التي كان ينادي بها في تياره، وانشغل من بعد التعيين في تحقيق مصالحه الخاصة؟
كانت التيارات الأيدلوجية مطية للتعيين، ولكن المفارقة أن قادة ومناضلي تلك الحركات والتيارات كانوا يسارعون إلى رمي الأفكار والمبادئ التي يؤمنون بها في سلة المهملات عند أول تعيين ليتفرغوا من بعد ذلك في تحقيق مصالحهم الخاصة.
كثيرٌ من القوميين اختزلوا ـ بعد التعيين ـ الوطن العربي الكبير ليس في القطر العراقي، بل وفي أضيق من ذلك، فاختزلوه في القبيلة وفي العائلة، وجعلوا من مصالح أسرهم الضيقة مصالح قومية كبرى !
وكثيرٌ من الكادحين تحولوا ـ بعد التعيين ـ من مدافعين عن حقوق الفقراء والمستضعفين إلى لصوص ومفسدين من الدرجة الأولى.
.
اليوم وبعد تراجع التيارات الإيديولوجية بدأ البعض يفكر في طريقة جديدة للتعيين في الخكومة ابمقبلو فرفع لواء العشيرة والجهة والشريحة، وأصبح لا شغل له إلا تبيان الحرمان الذي تعاني منه قبيلته أو جهته أو شريحته، وهو لا يقوم بذلك خدمة للجهة أو للشريحة أو للقبيلة، وإنما يبحث عن وظيفة.قد تكون هناك استثناءات قليلة جدا، ولكن في الأغلب فإن أولئك الذين يرفعون لواء العشيرة أو الجهة أو الشريحة لا يبحثون إلا عن مصالح خاصة.
لو كان هؤلاء يبحثون عن حلول لمشاكل الشريحة الأكثر ظلما في البلاد لكانت مطالبهم من نوع آخر، فهل سمعتم يوما أي واحد من هؤلاء يدعو مثلا إلى إعطاء أولوية للزراعة التي هي مصدر الرزق لآلاف الأسر المنتمية لتلك الشريحة؟ هل سمعتم بالدعوة إلى توفير الدعم للتعاونيات الريفية، وخاصة تلك التي تتبع لنساء؟ هل سمعتم بالدعوة إلى إطلاق برامج لتمويل أصحاب المهن والحرف الصغيرة جدا أو سمعتم بالدعوة لإطلاق برامج أخرى للتثقيف الحرفي؟ وهل سمعتم بالمطالبة بتأسيس صناديق تنموية لمناطق المتضرة من داعش وايظا المناطق الجنوبية؟ .
ختاما
إن تعيين هذا الشخص أو ذاك، لن يفيد هذه الشريحة أو تلك المنطقة. إن الذي سيفيد حقا هذه الشريحة أو تلك المنطقة هو إعطاء الأولوية لقطاعات معينة، وإطلاق برامج تنموية جادة تعود بالنفع على الآلاف من الأسر مع التركيز على محاربة الفساد والعمل من أجل أن تكون الكفاءة والاستقامة وحسن الأداء هي المعايير المعتمدة في التعيين واختيار الوزراء
حفظ الله العراق..
https://telegram.me/buratha
