محمد كاظم خضير
يحكى أن ربابنة يبحرون بسفينة مملوءة بالركاب من مختلف الأصناف تجوب بهم عباب بحر كثير النتوء والركام، وأثناء الرحلة بدأت تميل عن الاتجاه الصحيح، في نظر البعض على الأقل، سأل الركاب الربابنة عما إذا كان للسفينة بوصلة أصلا؟ أو أن البوصلة لم تعد تعمل؟ فأجابهم البحار بأن البوصلة مهمة في الإبحار، لكنه لا يعتمد عليها، بل يعتمد على خبرته في الإبحار عبر كل البحار، وأنه لا داعي للقلق فستصلون جميعا إلى بر الأمان ! لكن الكثير من الركاب انتابهم الخوف وأحسوا بأن السفينة ربما تصطدم ببقايا حطام السفن التي غرقت قبله متاهات من هذا النزع، وبدأ البعض يبحث عن سترة نجاة معتقدا أنه سيسلم هو وحده. بدافع الأنانية المقيتة انتهت الحكاية؛
غير أن من يتابع الوضع الحالي في بلادنا يلاحظ، ببساطة، أن سفينتها تبحر في متاهة عميقة ومليئة بالنتوء، وأن ربانها بدأ بعد أن تمرد عليه بعض بحارته، الطيعين أصلا له ولغيره قبله، عندما تقدم لهم بما ذكر القيام به أمام الرأي العام في خطابه للشغب قبل أن يستشيرهم حتى على الإطاحة بهم، وبعد أن رفضوا مطالبه، قرر من جديد اللجوء إلى خبراء الأنظمة السابقة، الذين لم يقدموا لهم مشورة صادقة قط، فنصحوه بالذهاب إلى الأمام دون مراعاة لمن يخالفونه الرأي، ودون وضع اعتبار للشعب المنهك بتصاعد الأسعار وانتشار البطالة وضعف التعليم والصحة إن لم نقل غيابهما وتنخر في جسمه العنصرية والقبلية والفئوية ومن هنا بدأ الكثير من المواطنين يتساءلون، ولهم كامل الحق في ذلك، هل فقد سياسيون العراق بوصلة الاتجاه الصحيح؟ وهل يعرف أن السفينة التي يبحر بها والمياه التي يبحر فيها ليست مواتية للذهاب إلى الأمام ولي ذراع المرجعيات الأساسية للبلد.
إني أتوجه إلى قيادة سفينة هذا البلد، من مدنيين وزعماء الكتلة، والمسؤولين عن مصيره ومستقبله، كالكثير من المواطنين الغيورين على ما تبقى من وحدته، راجين من الجميع العمل على خلق جو تصالحي، مع الكتل، للبحث عن موقف مشترك يخرج البلد الذي قلتم أنكم لن تخرجوا منه، ونحن لا نطالبكم بذلك، وليس بإمكاننا نحن أن نخرج منه، إذ لا بديل لنا عنه، أن تنتشلوه من الذهاب إلى المجهول، حفاظا على مصالح الجميع التي أنتم أول من يحافظ عليها بحكم موقعكم، ونرجو من الآخرين أن يمدوا لكم يد العون حتى لا تكون فتنة.
إن القيل والقال ومحاولة لي الأذرع والنزوع إلى التناحر والصراعات العقيمة، ومحاولة قلب السفينة التي نحن جميعا مبحرون فيها. !.
وكما قلت - أن على رأس قيادة الكتل أن يتخلص من عقدة الأنا ولي الذراع ويفكر في دخول التاريخ من بابه الواسع بتجنيب البلاد مخاطر التشتت والتمزق مثل الآخرين ويعلن رؤساء الكتل أن ما تبقى من الحكم بعد تشكيل سوف يكرسها لجعل البلد ينعم بالتبادل السلمي على السلطة حفاظا على وحدة وتماسك شعبه الهش، ويبدأ في البحث عن إشراك الجميع في تسيير الحكومة المقبلة لقطع الطريق أمام المغامرين والصيادين في المياه العكرة، وذلك ما أتمناه. ويتمناه الكثير من العراقيين للحفاظ على ما تبقى من وحدتهم. وسيصفق له الجميع، وأن لا يدفعه المحتالون والمتملقون الذين دفعوا جميع الأنظمة قبله إلى الذهاب إلى الأمام ودفن رؤوسهم في الرمال بغض النظر عن ما تخفي الأيام مما لا تحمد عقباه، وقانا الله شر ذلك كله،
كما أن على الكتل السياسية أن تستغل الفرصة المتاحة وتتبنى خطابا يتماشى ومرحلة ما بعد الانتخابات من طرف زعماء الك ، وفي نفس الوقت تستمر في النضال السلمي من أجل إنقاذ البلد مما يتهدده.
https://telegram.me/buratha