محمدكاظم خضير
يطل علينا الثاني عشر من أغسطس في كل عام كيوم عالمي ﻟﻠﺸﺒﺎﺏ اختارته الأمم المتحدة كحال كثير من الأيام التي اتخذتها أياماً عالميا. بالامس القريب قتل الإمام الجواد .ع. الذي كان عنوان الشباب المسلم واليوم يقتل الشباب العراقي بنفس الوجه السلطة لكن الزمان مختلف
امتلأت آذان العراقيين السنوات الأخيرة من "قَعْقَعَةِ" الحديث و النضال من أجل تغيير واقع غياب أو تغييب الشباب عن الشأن العام عموما و الشأن السياسي خصوصا واتخذت تلك "القَعْقَعَةِ" أشكالا و مسميات عديدة منها الأحزاب و التجمعات و المنصات و النوادي و الهيآت و المنابر و المبادرات،...
واختلف العراقيين طرائق قِدَدًا حول الموقف من ما يمكن وصفه "باليقظة الشبابية" الجديدة فمنهم المتحمس المتوثب و منهم المؤيد المناصر و منهم الحادب المشفق و منهم الحائر المترقب و منهم المتوجس المحاذر و منهم الهُمَزَةُ اللُمَزَةُ و منهم "المعادي المستتر" وقليلٌ منهم "المعادي الظاهر"،...
يعتبر الشباب الرأسمال الثمين للأمم والمجتمعات المتقدمة، لما يتميز به من الحيوية والنشاط والرغبة القوية في خدمة وطنهم، من اجل تحقيق التقدم والإزدهار في المستقبل، مستفيدين من أخطاء الماضي و الحاضر.
لكن بدولتنا ينظر المسؤولون للشباب كفئة خطيرة، لا يجب الإقتراب منها، فهي ربما تشكل خطرا على منصبه الذي لا يريد تركه، ويتم اقصاؤهم في كل شيئ حتى في الشؤون التي تخص الشباب، والإستماع لأرائهم من اجل مواكبة اهتماماتهم وتوفير الدعم لهم وبالتالي اشراكهم في بناء الوطن.
من خلال تتبعنا للمشاريع والأنشطة التي تخص الشباب بالعراق نجد انها لا تؤدي دورها ويتم تزيينها بشعارات "زائفة" لا تخدم الشباب في شيئ وتزيد الطين بلة وتهمش هذا الرأسمال الثمين، حيث تجعله بين خيارين اما ان يشارك في بناء وطنه من موقعه وذلك من خلال الإنصات له والإهتمام به ثم توفير الدعم له.. او ان يختار طريق الإنحراف وينتهي به الحال في عالم الإجرام ليصبح عالة على مجتمعه ويشكل خطرا على امن وسلامة المواطنين ومؤسسات الدولة..
أيها السادة.
الشعوب والأمم تتفاخر و تراهن على مستقبلها من خلال تنمية الشباب و ضمان مستقبل البلاد عن طريق تفعيل وتسخير كل المنشآت و الخطط التنموية والاستثمارات البشرية في فئة الشباب التي هي الحلقة الأساسية في كل تنمية وحجر الزاوية في بناء الشعوب، لكن هذه القاعدة معكوسة و تنقلب الآية في العراق حيث تسعى الحكومات والشعب معا إلي تهميش الشباب و اعتباره مجرد مرحلة من العمر يجب أن لا يعرف أصحابها سوى أنهم يعيشون في ظل الانتظار والاستسلام حتى يطأ قطار العمر على صدورهم و يتجاوزهم الزمن ليصير لهم الحق في تحقيق الأحلام الضائعة في بلد الضياع.....
بينما الشباب في العراق لا يسمح له حتى أن يعيش في الفضاء الثالث أو الفضاء البيني الاجتماعي والسياسي في انتظار الأمل، فقد تم طرد الشباب بمجرد أن الوطن لا يؤمن بالطاقة الشبابية ولا يراهن على مستقبل هذه الأمة المترهلة التي يحكمها الشيوخ وجيل سياسيين الصدفة منذ ما يزيد على نصف قرن.....
.
إن الشباب في بلادنا مرادف للبطالة والتملق و الاستسلام و التعبد في محراب القبيلة والتودد إلي شيخ العشيرة لعله يشفع عند ربه أو يحظى زلفى من العطف والتعيين السياسي من خلال استغلال الشباب المقهور والضائع كلسان فصيح مبين يرقي به الشيخ المغفل لتحقيق مآرب لا ترقى إلي مستوى التغيير....
بسبب هذا الاغتراب والتهميش وجد الشباب العراقي ذاته في الإعلام الاجتماعي مثل فيس وتويتر الذي على الأقل يسمح لهم بالتواصل والتعبير عن آرائهم وطموحاتهم في عالم افتراضي يؤكد أن العالم أصبح قرية كونية واحدة لا حدود فيها بين الشباب على الرغم من التناقض بين الحكومات العربية وشعوبها....
.....
إن مظاهرات الشباب العراقي هي تفاعل مع الأحداث الإقليمية والدولية وتحول في النسيج الاجتماعي والأخلاقي والسياسي في الوطن العربي بشكل عام بشكل خاص العراق جزء من هذه المنظومة الاجتماعية والسياسية العربية التي بدأت تفقد شرعيتها أمام شرعية النظام الحالي ....
لذلك من المفترض أن تسعى "الحكومة" العراقية إلي العمل على ضخ دم جديد في قلب الحكومة الذي يحتضر بدل تكريم وإعادة تعيين نفس الوجوه التي تدرجت منذ عشرات السنين في جميع مناصب الدولة من رئيس الوزراء إلي سفير أو رئيس مجلس: كيف يعقل أن يعين وزير التجارة وهو الذي كان وزير على مدى عشرات السنين لتربية؟ أليس من المهزلة أن نشهد تعيينه سفيرا بعد أن كان نائب على الرغم من عدم وجود سجله الحافل بالإنجازات "الوطنية"؟
هذا النوع من المحاباة والاحتكار يتم في الوقت الذي يعاني فيه مئات الشباب الحاملين للشهادات العليا والحالمين بوظيفة بدل البطالة والتعفن في دهاليز وشوارع الوطن المغبرة و الموت ألف مرة بسبب نظرات الاستهزاء واللامبالاة التي يرمقهم بها المجتمع السخيف.....
أليس من الحري أن تعمل الحكومة على صون كرامة أبنائها بدل السماح للطبقة السياسية بالتفنن في أنواع البذخ و الرفاهية على حساب مستقبل الوطن و آلاف الشباب الحالمين يوما بالتغيير.......؟
إن الازدواجية التي يعيشها الشباب في العراقي هي معضلة لا تقل أهمية عن سؤال بناء الوطن والهوية، هي معضلة نابعة من عدم إصرار الشباب على التمسك بالمستقبل كخيار أساسي وفهم طبيعة الصراع الذي تدور رحاه بين الرعيل القديم المتشبث بالحاضر وكأنه هو مستقبلهم، أما الشباب العراقي الآن لا يمتلك رؤية شاملة و لا معرفة عميقة بالواقع المعيش و لا النتيجة التي يمكن أن يفضي لها....
الشباب عندنا لا يحلم إلا بالكثير في وقت واحد، لأننا لم نستطع بعد أن نفهم أن التخطيط للمستقبل ونزع المكانة والسلطة من هؤلاء الأصنام القديمة قد يستغرق الكثير من الوقت لأنهم يستخدمون النفوذ والمال والسلطة، أما نحن فلا نشعر حتى بضرورة الدخول في الصراع ربما لأن الأبواب موصدة أمامنا و النوافذ تم نزعها أصلا، وربما أيضا لأن البعض منا يرضى بالقليل و يخاف بطش شيخ القبيلة ويخشى التهميش و يسكنه رعب من الاختلاف...
إن الشباب في وطن الضياع (العراق) يحتاج إلي وعي بإكراهات المرحلة و يجب أن يسعى إلي بذل الغالي والنفيس في سبيل إسماع صوته و رؤية الأشياء من منظوره ورفض النظارات المظلمة و الشائخة التي قد يفرض عليه لبسها لتصور الأشياء كما يراد له لا كما يجب أن تكون....
من الضروري أيضا تفعيل النشاط الثقافي و التواصل و التفاعل مع الجمعيات و خلق فضاء حر للكتابة و التصور لثورة بناءة وخلاقة و المناقشة وتسمية الأشياء بأسمائها دون الخوف أو التملق الذي يكفي منه ما فات دون أن يولد غير الخنوع والتهميش و الانهيار تحت إقدام وأحذية من النوع الرخيص والخشن
فإن الاقتراحات التالية يمكن أن تساهم في أن تُرَشِدَ الفعل الشبابي فتنتج قعقعة الديناميكية الشبابية الحالية مؤونة و طحينا لا جعجعة و طنينا:-
.ترشيد شعار "تجديد الطبقة السياسية": و يتعلق الأمر بواجب تحرير شعار "تجديد الطبقة السياسية" الذي يروج له بعض الشباب الطافح بالحماس بطريقة "شبه عدوانية" اتجاه الطبقة السياسية الحالية و الأولي أن تعاد صياغة الشعار بحيث يغدو " التجديد التكاملي للطبقة السياسية" و سيكون من محاسن الصياغة الجديدة طمأنة الطبقة السياسية الحالية و التمكين الواقعي و المتدرج للشباب في مسارح الشأن السياسي؛
.إرساء "كوتا للشباب" بالمناصب الانتخابية: و المقصود هو أن يخصص للشباب كوتا من مقاعد البرلمان و المجالس المحافظات علي غرار كوتا النساء خلال عهدتين برلمانيتين ؛
. انشاء وتوسيع صلاحيات المجلس الأعلي للشباب: و يعني ذلك توسيع صلاحيات المجلس الأعلي للشباب الذي يضطلع راهنا بمهام استشارية فقط بحيث يعهد له بمهام رقابية و تقييمية للعمل الحكومي في المجال الشبابي و في مرحلة لاحقة يحسن التبويب أيضا علي إمكانية التعاقد مع المجلس للاضطلاع بمهام تنفيذية معينة كلما تأكد أنه الأنسب للتكفل بها؛
.سَنُ أسبوع وطني للشباب:بما أن المنظومة الدولية تخلد كل سنة اليوم العالمي للشباب في 12 أغسطس من كل سنة فإنه يجدر أن تسن الحكومة العراقية إنشاء "أسبوع وطني للشباب" يخلد بتنظيم أنشطة متنوعة تسعي للرفع من مكانة الشباب و تسهيل و تسريع ولوجهم إلي المشهد العام؛
.خلق جوائز وطنية سنوية للمتميزين من الشباب: و ذلك سعيا إلي مكافأة المستحقين و المتميزين من الشباب و يحسن أن تكون تلك الجوائز وطنية عالية المستوي المادي و المعنوي تمنح للمتتميزين و تشجع روح المنافسة الإيجابية و الإبداعية،..
. إعداد برنامج وطني لاكتشاف و تشجيع المواهب الشبابية بالمناطق العراقية "ذات الاحتياجات الخاصة": وحيث أن من يتحدث عن الشباب يتحدث عن المستقبل و تأسيسا علي أن مستقبل هذا البلد لن يكون آمنا إلا إذا تم تأمين التعايش الشرائحي أو بعبارة أخري فإن "المستقبل العراقي يكون بالتعايش الشرائحي أو لا يكون".
فإني أقترح أن يحرز الشباب قصب السبق إلي تعزيز قابلية التعايش الشرائحي من خلال إعداد برنامج وطني يسعي إلي اكتشاف المواهب الشبابية "بالمناطق العراقية ذات الاحتياجات الخاصة" و حواضن رواسب الاسترقاق خصوصا ابتغاء رعايتها و تشجيعها و مكافأتها و تسهيل ولوجها إلي المناصب القيادية بالمشهد العام.
https://telegram.me/buratha