عادل الجبوري
ليست المرة الاولى، التي تشهد مدن عراقية مختلفة تظاهرات ومسيرات احتجاجية غاضبة، للمطالبة بتحسين الخدمات، لاسيما الطاقة الكهربائية، وتوفير فرص العمل لالاف العاطلين من خرجي الجامعات والمعاهد، واغلب الظن انها لن تكون الاخيرة، مادامت المشكلات والازمات قائمة، والمطاليب والطموحات كثيرة وكبيرة.
لايستطيع اي كان ان يشكك في مشروعية وواقعية مطاليب الجماهير العراقية، لانها تمثل القدر المعقول من الطموحات والتطلعات، والسقف الواقعي للاحتياجات الحياتية اليومية.
وما هو معروف ان التظاهرات والاحتجاجات السلمية، تمثل احد ابرز وسائل وادوات الضغط على الحكومات، لمعالجة المشاكلK والاستجابة للمطاليب، وتخفيف الاحتقانات، وتقليل الضغوطات، وتصحيح المسارات.
وفي العراق اثبتت بعض التجارب، خلال الاعوام الخمسة عشر الماضية، جدوى وفائدة التظاهرات والاحتجاجات السلمية.
بيد ان الخطر الحقيقي، يكمن في التوسل بالوسائل والاساليب العنفية، واللجوء الى الفوضى، والعمل على تخريب او سلب الممتلكات العامة، تحت ذريعة شعارات الاصلاح والتصحيح والتغيير.
وفي اغلب الاحيان، تبرز قلة قليلة، تعمل بشكل يتقاطع مع التوجهات والسياقات السلمية، وتسعى الى خلط الاوراق، وتأزيم الامور، وهو ما يفضي الى انحراف التظاهرات والمسيرات التي يراد لها ان تكون سلمية وبمطاليب واضحة ومحددة، لتتحول الى فوضى عارمة يطغي عليها القتل والتدمير والتخريب العشوائي والممنهج.
منطقيا، من لديه مطاليب مشروعة، وفي ذات الوقت يمتلك الحرص والشعور بالمسؤولية حيال ارواح الناس ومصالحهم، والممتلكات العامة، لايمكن ان ينساق الى حمى الفوضى، والتجاوز على الحرمات، وانتهاك القوانين، لان ذلك لاينسجم مع جوهر المطاليب، ويتنافى مع منهجية الالتزام بالقانون ومراعاة النظام.
ولعل الانتقادات الحادة واللاذعة التي وردت على السنة عدد غير قليل من المتظاهرين، ازاء ما حصل من تعدّ على مؤسسات الدولة ومقرات الاحزاب، ومنشات اقتصادية وتجارية، في عدد من المحافظات، تمثل مؤشرا واضحا على ان نزعة التخريب والتدمير، ليست هي السلوك والتوجه العام لدى عموم المتظاهرين، وانما هي تشكل استثناء حكمته ظروف وعوامل مختلفة.
قد تكون انفعالات البعض وطبيعة الضغوطات الحياتية والنفسية التي يعانونها، احد العوامل وراء جزء من الفوضى التي رافقت التظاهرات، وهذا امر وارد وطبيعي، وان كان غير صحيح ولا مبرر، ارتباطا بنتائجه واثاره السلبية.
بيد ان ما هو اخطر، انيا ومستقبليا، الاجندات والمخططات الخارجية، التي يبحث اصحابها عن ظروف وارضيات ومناخات ملائمة لتمريرها وتسويقها بطريقة هادئة وبأقل قدر من التكاليف، ليصلوا الى اقصى قدر من النتائج المطلوبة.
والظروف والارضيات والمناخات الملائمة، تتمثل في جانب منها بالاداء الحكومي السيء، وعدم الالتفات الى المشاكل والازمات الحياتية لابناء المجتمع، والتوجه الجاد لحلها ومعالجتها، وكذلك اتساع رقعة مظاهر الصراع والتنافس السياسي الحزبي البعيد الى حد كبير عن هموم الناس ومشاكلهم واحتياجاتهم، ناهيك عن استشراء الفساد الاداري والمالي في مجمل مفاصل الدولة، لاسيما العليا والحساسة منها.
ولاشك انه حينما تتلوث-وتتأزم-البيئة السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، يصبح من اليسير جدا ان تتحرك وتتفاعل وتنشط الاجندات والمخططات الخارجية التخريبية، بكل ادواتها ومفاصلها ووسائلها.
ومن يتأمل بدقة في واقع التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية الاخيرة، ويقرأ ما بين السطور، يلمس ويكتشف انه الى جانب النوايا الصادقة والحسنة، والتوجهات السليمة لاصلاح وتصحيح الاوضاع السلبية الخاطئة، هناك نوايا ومشاريع سيئة وخطيرة للغاية للدفع بالامور نحو الهاوية.
لم يأت من فراغ ما تحدث به بعض السياسيون عن وجود دلائل دامغة بضلوع اجهزة مخابرات عربية واجنبية في اثارة الفوضى والاضطراب في الشارع العراقي تحت يافطة التظاهرات الجماهيرية ذات المطالب الحقة والمشروعة.
ولم تأت من فراغ التسريبات من مصادر امنية، عن وضع اليد على شبكات مرتبطة بغرف عمليات، توجه الامور نحو الفوضى من عواصم اقليمية، مثل الرياض وانقرة وعمّان وابو ظبي، ومدن داخل الجغرافية العراقية، مثل دهوك واربيل وغيرهما.
ومن الممكن والمعقول جدا ان يتساءل المرء، لمصلحة من تعطيل المطارات، وقطع الطرق نحو الموانيء البحرية، ومنع الحركة من والى المعابر والمنافذ الحدودية البرية؟.. ولمصلحة من احراق مقرات بعض-ولا نقل كل-الاحزاب، وبيوت بعض الساسة والمسؤولين؟.. ولمصلحة من ارباك عمل الشركات الاجنبية العاملة في قطاع الصناعة النفطية او قطاعات اخرى، مع وجود ملاحظات وتحفظات على عمل تلك الشركات وخلفيات وظروف تواجدها في البلاد؟.. ولمصلحة من اشاعة اجواء الرعب الخوف والفزع والقلق في اوساط الناس بشتى توجهاتهم وانتماءاتهم ومستوياتهم؟.. ولمصلحة من رفع الشعارات التسقيطية يمينا وشمالا بلا اي تمييز وفرز بين صالح وطالح؟..
لانحتاج الى الكثير من الوقت والجهد، لنستنتج ان كل ذلك لايصب بأتجاه تلبية مطاليب واحتياجات المتظاهرين المشروعة، ولايفضي الى رفع الحيف والظلم عن فئات وشرائح اجتماعية واسعة، لم تحظى بالقدر الكافي من الرعاية والاهتمام الكافيين، ولم تسمع طيلة الاعوام الخمسة عشر عاما المنصرمة، سوى الشعارات والزائفة والوعود التضليلية الخادعة من اصحاب الشأن والقرار في الدولة والاحزاب والقوى السياسية على اختلاف عناوينها ومسمياتها.
واذا لم تكن اجواء كل تلك الفوضى تصب في مصلحة المظلومين والمهمشين، سواء الذين اشتركوا في التظاهرات ام ممن لم يشتركوا، فأنها بلا ادنى شك، تنتهي وتؤول الى تحقيق اهداف اصحاب الاجندات والمخططات الخارجية التخريبية، ويكفينا هنا ان نتابع وندقق فيما تتحدث به، وكيف تتحدث به، الواجهات السياسية والاعلامية لاصحاب الاجندات والمخططات الخارجية، لنكتشف ونحدد مساحات التناغم والانسجام الهائلة بين ما تقوله وتتمناه، وما يجري على الارض.
https://telegram.me/buratha